تعتبر تدني مستوى دخل الفرد في الدول العربية، وكذلك نسب البطالة، بين الخريجين من الاجيال الشابة، وكذلك تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، لقطاعات وفئات جماهيرية واسعة من شعوب المنطقة ndash;تعتبر- من الاسباب المفصلية، ان لم تكن اهمها على الاطلاق لاندلاع الثورات، التي تشهدها هذه الدول، وتؤدي في النهاية، الى تداعي امبراطوريات الفساد واللصوصية، المتسلطة على خيرات ومصادر رزق العباد، منذ عشرات السنين، مع مراعاة تفاوت المدد الزمنية من بلد الى آخر، حسب دموية اجهزة الطغيان القمعية، وكذلك حسب سرعة انهيار مؤسساته الامنية والعسكرية، او انقلابها عليه.
يضاف الى ذلك، المعدل القياسي للفقر في هذه البلدان. فنسب السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، ارتفعت الى مستويات مخيفة ومرعبة، بالتوازي مع اطالة عمر الاستبداد، وازدياد وتيرة الفساد، مقابل التكاثر المفرط لطوابير العاطلين عن العمل، لدرجة وصلت الامور في كثير من الدول، الى ان احتمال الحصول على فرصة عمل ما، من شأنها ان تحفظ كرامة الانسان، وتؤمن حياة هادئة وكريمة له ولعائلته، حلماً يراود الكثيرين من مواطني معظم دول المنطقة، دون وجود اي سبيل يؤدي الى تحقيق ذلك الحلم البته، رغم ان هذه الشرائح الواسعة، تتضمن بين صفوفها اعداد هائلة من الحاصلين على الشهادات العلمية في مختلف الاختصاصات.
ويعود السبب في ذلك، الى ان التنمية البشرية والاقتصادية، كانت طيلة ما يقارب قرن من الزمن، لم تستحوذ على اهتمامات السلطات الحاكمة في معظم هذه البلدان، بل ان جلّ اهتمام الانظمة المذكورة، انصبت على كيفية استمرار امد حكمها، من خلال تقوية اجهزتها الامنية وآلتها الاعلامية، لتتمكن من اهانة الشعوب واذلالها لاحكام سيطرتها، فضلاً عن كيفية تجميع معظم الثروات والمقدرات الوطنية الطائلة بيدها، دون ادنى اكتراث بما كان يؤول اليه وضع الناس، الامر الذي ادى الى تراكمات واحتقانات مزمنة، تسببت في اشعال فتيل هذه الثورات، التي من المتوقع لها ان تتسع رقعتها الجغراقية، لتشمل باقي الدول ذات الانظمة الديكتاتورية الفاسدة.
ان هدر كرامات الناس، والتعامل الفوقي معها، واعتبارها كـ رعاع، وقمع شخصيتها وهيبتها، وسرقة اموالها وحرمانها من لقمة عيشها، واذلالها واهانتها، تدفعها للتضحية بدماء شبابها دفاعاً عن كرامتها واوطانها. فالشعوب العربية اتثبت بثوراتها الحالية بأنها ليست ذليلة، ولا تتحمل الاهانة الى الابد، تحت يافطة القومية حيناً والدين حيناً والمذهب احياناً اخرى، لا سيما وان شبانها كشفوا زيف ادعاءات حكامهم المستبدين، وتخندقهم لعقود طويلة من الزمن، خلف جدران الخطاب القوموي الشيوفيني التحريضي، الذي يبعث على كراهية الآخرين، بمجرد اختلاف الثقافة او الميول اوالعرق.
ان الفقر والفاقة والحرمان، وانعدام فرص العمل، ولا سيما للاجيال الناشئة، التي لا تنطلي عليها خطاب الانظمة المزيف ونفاقها السياسي، تعد من احد ابرز الاسباب لهذه الثورات، لأن هذا لثلاثي المشار اليه آنفاً، من شأنه ان يؤدي شيئاً فشيئاً الى هدر كرامة الناس، واذا شعرت الجماهير الغفيرة، بأن حكامها تهدر كرامتها عن سابق اصرار وتصميم، حينذاك يبدأ الطوفان وتهتز عروش الاستبداد، ليتداعى قصص الديكتاتوريات، وتضيع في اغوار التاريخ.
- آخر تحديث :
التعليقات