سمير عطا الله

بعد الحرب العالمية الثانية كانت اليابان هي الدولة الكبرى الوحيدة التي رفضت أن تكون لها قوة نووية. فهي البلد الوحيد، أو الشعب الوحيد، الذي خَبرَ ماذا يعني استخدام السلاح النووي الذي قصف به الأميركيون مدينتي هيروشيما وناغازاكي. لم يكن التصوير عام 1945 بالتقدم الذي صار عليه اليوم، ومع ذلك بقي من صور الأبيض والأسود ما يكفي لأن يرتعد العالم من احتمال استخدام السلاح، أو حتى تسرب الإشعاع، في أي مكان.

خَبرَ العالم ما يمكن أن يحدثه التسرب عندما أدى عطل هيكلي إلى انفجارات في مصنع تشرنوبل السوفياتي. ورغم المعالجة السريعة وقدرة السوفيات في هذا الحقل، فإن أضرار الإشعاع النووي وصلت إلى تركيا، حيث نفقت الأبقار والأغنام، ويبست بعض الحقول. أليس من سخرية الصدف أن الشعب الذي رفض السلاح النووي، يتعرض اليوم لخطر الإشعاع، بعد تفجر المصانع laquo;السلميةraquo;، أو مصانع توليد الطاقة، المنتشرة في أنحاء العالم الصناعي؟

من هيروشيما إلى فوكوشيما يكتشف العالم أنه هو الذي صنع دماره بيده. فمعظم التقدم العلمي عبر التاريخ حدث أولا في أسلحة القتل والتدمير.. من الطيران النفاث الذي بدأ عسكريا إلى السلاح النووي. ولا يستطيع المرء أن ينزع من فكره أن إسرائيل مدججة بالسلاح النووي، وأن المنطقة تتجه الآن إما إلى سباق تسلح، أو حتى إلى نشر مصانع الطاقة النووية.. الفكرة مفزعة في الحالتين.

تسابق الإنسان والطبيعة في تكبير كارثة اليابان. وقد اكتشفنا أن ثمة ما هو أكثر فظاعة من الهزات الأرضية، وهو اهتزاز قاع البحار والمحيطات. واكتشف الإنسان الحديث مثل الإنسان الأول، مدى عجزه أمام حركة الطبيعة وتقلب الأجرام. ولا يعود ثمة فرق في هذه اللحظات القدرية بين بلد شديد التخلف وآخر كثير التقدم. فاليابان هي البلد الأكثر استعدادا لمواجهة الزلازل في العالم، لكن أي بلد يمكن أن يواجه أمواجا سرعتها ألف كيلومتر في الساعة وارتفاعها ثلاثون مترا؟

لن يستطيع الإنسان أن يعرف عالمه. لقد ذهب إلى الفضاء، وصعد إلى القمر، واستكشف المريخ، وعرف بوجود مجرات جديدة، لكنه لا يزال معذبا وخائفا في محدودياته. جرفت أمواج المحيط بيوت اليابان مثل شحنة من علب الكبريت فوق بركة صغيرة. محزنة ومفزعة مشاهد اليابان، الموت يأتي من قاع الطبيعة، ويتسرب من قمة العلم.