لندن

قالت 'نيويورك تايمز' ان انهيار الولاءات القبلية للقذافي قد يكون عاملا في نهايته، وجاء في التقرير انه بعد اعلان شيخ قبيلة الورفلة عن عصيانه للنظام كان رد النظام سريعا حيث ارسل قواته الى مصراتة والزاوية للتأكد من ان اي شباب من شبانها لن يكون مع الثوار.
وتنقل عن محللين قولهم ان النظام القبلي الذي كان عامل بقاء للنظام الليبي خلال العقود الماضية يبدو الان نقطة ضعف ستعجل في نهاية نظام الزعيم حيث تراجعت نسبة الدعم له. ونقلت عن شيخ قبيلة ورفلة ان قبيلته مثل زنتان واولاد سليمان تعيش حالة من الغليان.
وجاء في رسالة مكتوبة ردا على اسئلة الصحيفة ان السبب الذي جعل القبيلتين لا ترغبان في المشاركة في القتال هو عدم توفر الاسلحة. وتوقع هجوما قبليا عنيفا على قوات النظام لو حصلت على السلاح. وكذب المتحدث باسم القذافي تصريحات زعيم الورفلة قائلا ان دعمها قوي ومتواصل للنظام منذ الثورة عام 1969.
وكان القذافي قد احاط نفسه بحلفاء من كبريات القبائل الليبية الورفلة والمقارحة والقذاذفة وهي عائلته وقد تسيدت القبائل هذه قوات الجيش والميليشيات التابعة له. لكن علاقة التحالف هذه لم تخل من مشاكل وعداوات خلال حكم الزعيم ففي عام 1983 وصل التوتر ذروته عندما قتل الحرس احد ابناء عم الزعيم حسن اشكال والذي كان قائدا عسكريا وانتقد هزيمة القذافي في تشاد. وفي عام 1993 قامت القبائل الثلاث بمحاولة انقلابية فاشلة.
ومن هنا يأمل الثوار الذين بدأوا يخسرون بعض ما حققوه حدوث انقلاب من داخل النظام القبلي، ونقلت الصحيفة عن مقاتل في مصراتة انهم يصلون من اجل حدوث هذا السيناريو. ويظل العامل القبلي مهما في الهوية الوطنية، حيث يعبر الليبي عن هويته بانتسابه لقبيلته.
ومع ان القذافي بدأ حكمه اصلاحيا الا ان ولادته ونشوءه في قبيلة بدوية من سرت اثرا على افكاره السياسية حول حكم الجماهير، كما يقول جورج جوفي الباحث في الشؤون الليبية فقد نظر القذافي للامة باعتبارها 'قبيلة كبيرة'.
ولكن الطريقة التي لعب فيها القذافي الورقة القبلية من الاستبعاد الى شراء الولاء والدمج في نظام الدولة ادت الى منافسات بين القبائل وحنق في محاولة كل منها الحصول على المنافع.
ومن هنا حاول ضباط من قبيلة القذاذفة والمقارحة والورفلة القيام بانقلاب عندما كان في رحلة لزيارة الورفلة في بني وليد مركز تجمعها. وتم الكشف عن الخطة في اللحظة الاخيرة لكن تداعياتها ادت الى شق في العلاقة بين النظام والورفلة التي رفضت امرا من القذافي بإعدام المشاركين من ابنائها في الخطة، مما اضطره للتوقيع على اعدامهم عام 1997.
وفي ضوء الحديث عن توقعات حسم المعركة لصالح الثوار وان بدعم خارجي تساءلت 'واشنطن بوست' في تقرير لها عن قدرة اعضاء القيادة الجديدة المكونة من ناشطين ومحامين ومن خدموا في النظام سابقا على تحويل ليبيا فيما بعد القذافي، حيث قالت الصحيفة ان معظهم يتنقلون من مكان لآخر خوفا على حياتهم ويلتقون في اماكن سرية ولكنهم يعترفون بقلة خبرتهم السياسية، خاصة ان البلاد ليس لديها تاريخ حزبي او نقابي او حتى منظمات مجتمع مدني.
ولكن الصحيفة قالت ان الثوار استطاعوا حتى الان ادارة شرق البلاد وانشأوا لجان لادارة المدن ومنعوا الفوضى ووفروا المواد الاساسية للسكان. واكدت عضوة في المجلس الوطني ان كل المدن في الشرق تشهد حالة من الامن. ويعتبر هذا انجازا لليبيين الذين قدموا نموذجا عن الادارة مع خلو البلاد من نظام دستوري حسب العضو.
واشار التقرير الى ان المجلس يضم عددا من المسؤولين من ذوي الخبرة من محامين لديهم خبرة قانونية ووزير عدل سابق ومسؤول في الحكم الملكي السابق سجن 30 عاما، ورئيس مجلس الاقتصاد الليبي الذي التقى بهيلاري كلينتون في باريس ووصفه تقرير كتبه السفير الامريكي جين كيرتز بالرجل الجاد الذي يفهم المنظور الامريكي.
ونقلت عن سليمان غوغة الرجل الثاني في المجلس ان دولة ما بعد القذافي ستكون ديمقراطية دستورية، وحرية التعبير فيها مكفولة 'نريد ليبيا لا احد فيها فوق القانون'.
ويأمل المجلس اقامة نظام برلماني وليس رئاسيا ويؤكد انه لن تولد دولة اسلامية بعد خروج القذافي. لكن الصحيفة تقول انه من غير المتوقع ان تؤيد ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي السياسة الامريكية في الشرق الاوسط، فقد عبر اعضاء المجلس عن معارضتهم للسياسة الامريكية تجاه الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي والسياسة في العراق وافغانستان. لكن هذه الاحلام لن تتحقق من دون دعم دولي ومنطقة حظر جوي تحرم النظام من ادواته وتقوي من صف الثوار.
نقلت 'الغارديان' عن المتحدث باسم المجلس الوطني في بنغازي ردا على سؤال حول رغبة الثوار في قيام الغرب باغتيال القذافي نيابة عنهم قائلا 'لماذا لا، فلن يذرف احد دمعة عليه'.
وجاءت احاديثه في معرض قوله ان الوفد الذي التقى الرئيس نيكولاي ساركوزي ووزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون في باريس حمل رسالة طلب فيها من الاوروبيين التدخل وفرض حظر جوي على الزعيم الليبي، لكن لا توجد في الافق اية اشارات عن قرب حدوث هذا وسط غياب واضح للاستراتيجية الاوروبية والامريكية تجاه الازمة في ليبيا، وحتى وان اتفقت كل الاطراف على أن عملية فرض الحظر الدولي لن تتم سريعا.
وحذر مصطفى الغرياني من تحول الليبيين نحو التطرف الديني نتيجة لاحباطهم من عدم التحرك الغربي لمساعدتهم، ومع ان الثوار علقوا العلم الفرنسي على مراكز سلطتهم في مدينة بنغازي، حيث كانت باريس اول دولة تعترف بهم الا ان معظم القياديين يوجهون انتقادات حادة لامريكا التي لم تتضح سياستها من ليبيا.
وقال ان سبب التحول للتطرف انه في حالة عدم استجابة الغرب لنداءاتهم فان الجماعات المتطرفة ستنتهز الفرصة للتأثير عليهم مع أن الثورة بدأت من اجل التخلص من الفقر والاضطهاد.
واضاف ان معظم الليبيين معتدلون في مواقفهم ولكن في حالة خيبة املهم من الغرب فقد يصلون لنقطة لا يمكن العودة عنها مع ان المتطرفين حتى الان لم يكونوا قادرين على اختراق المجتمع الليبي.

ضغوط نفسية

وفي هذا السياق جاء في تقرير 'نيويورك تايمز' ان التقدم الذي حققته القوات التابعة للنظام الليبي وضع ضغوطا عسكرية ونفسية على الثوار. واشار التقرير الى ان قوات الثوار التي اكدت خلال الايام الماضية ان تراجعها تكتيكي ويقصد منه اعادة تنظيم الصفوف ودعم الجيش بقيادات ذات خبرة، وفي الوقت نفسه دعوة المجتمع الدولي إلى فرض حظر جوي على النظام في طرابلس يشير الى ان قادة المعارضة في بنغازي يعترفون بمحدودية جيشهم وقدرته على مواجهة قوات العقيد القذافي التي تحاول تعزيز تقدمها من خلال التقدم نحو مدن جديدة وسط تضارب في الانباء حول مصير بريقة التي يقول الثوار انهم استعادوها لكن لم يقدموا اية ادلة على ذلك حسب عدد من التقارير الصحافية البريطانية والامريكية.
ويعول الثوار مع هذه التراجعات على جر قوات القذافي الى مدن بعيدة عن المركز وقطع الامدادات عن قواته مما يعطيهم فرصة لحرف ميزان المعركة. ومع ان قائد جيش الثوار عبدالفتاح يونس قد اكد ان الثوار لديهم قوات كافية لكنه اكد كما قالت نيويورك تايمز ان حظرا جويا على القذافي يظل ضرورة. وقال العبيدي ان الثوار لديهم 100 دبابة عاملة لم يتم استخدامها بعد.
ويرى الكثير من المواطنين انه في حالة نجاح قوات القذافي في السيطرة على مدينة اجدابيا التي تتعرض لقصف جوي فان الطريق ستكون مفتوحة امامه للتقدم نحو بنغازي.
وفي هذا الاتجاه ناقش رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة الامريكية ، السناتور جون كيري في مقال نشرته ' الغارديان' حول الواجب الاخلاقي المتعلق بمنطقة حظر جوي تمنع القذافي من استخدام الطائرات ضد الثوار. وطالب كيري حكومة بلاده والمجتمع الدولي بإظهار إرادة انهم لن يقفوا متفرجين على طائرات القذافي وهي تقتل المواطنين الليبيين.
وقال كيري ان استعادة البوسنة ورواندا في النقاش حول حيوية التدخل لانقاذ المواطنين لا يقارن بالوضع الليبي. ومع ان هناك الكثير من التشابه بين وضع الجنوب والشمال العراقيين بعد حرب الخليج حيث وقف العالم وهو يتفرج على قصف صدام حسين لمن انتفضوا عليه. لكن الوضع الليبي اليوم يظل مختلفا.
فالانتفاضة ضد صدام وان جاءت استجابة لنداء من جورج بوش الاب الذي طالب العراقيين لاخذ حقهم بأيديهم من صدام حسين، لكن الثورة الليبية استلهمت مبادئها من ثورات الشارع العربي في تونس ومصرـ فقد ثار الشعب الليبي بأكمله ضد عقود من الاضطهاد. ويقول كيري ان منظور ما حدث في العراق سابقا يلاحقه اليوم، فهناك شعب يواجه طائرات وجيشاً متقدماً ويناشد العالم الحر كي يحميه من مجازر النظام خاصة بعد ان قام الغرب بدعم والثناء على شجاعتهم بالكلام.
ويرى السناتور ان القذافي لم يعتمد كثيرا على القوة الجوية واستخدمها بطريقة انتقائية، ولان الزعيم الليبي يتسم بالدهاء فالكاتب يرى ان استراتيجيته تقوم اما على نحاولة قتل معارضيه بشكل بطيء بدلا من دفع العالم للتدخل بعد ارتكابه مذبحة، أو الانتظار حتى يظهر العالم عدم استعداده للتدخل وعندها سيقوم بقتل المدنيين وباعداد كبيرة.
وقال ان العالم لا يمكنه الانتظار الوقت الذي يستخدم فيه القذافي طيرانه لقتل المدنيين، ويجب التحضير لاقامة منطقة حظر جوي والقيام بحملة دبلوماسية من اجل حشد العالم لتأييدها. واكد ان القرار الاهم في هذا الاتجاه يجب ان يأتي من الامم المتحدة مع اعترافه بإمكانية تحفظ الصين وروسيا عليه. ومن هنا فان استمرار القتل يضع من يريدون حماية المدنيين الليبيين امام خيارات صعبة.
ومن هنا يدعو الى خروج النقاش عن دائرة الامم المتحدة وحشد دعم دولي من الناتو والاتحاد الافريقي ودعم العالم العربي حيث دعا مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية لاتخاذ خطوات كهذه. وقال ان الدول الاسلامية تحديدا يجب عليها دعم التحضيرات للتدخل حالة تواصل القتل وخرج الوضع عن السيطرة.
وقال ان القذافي يجب عدم السماح له بان يقتل شعبه وان يستخدم سلاحه الجوي القاتل وفي حالة عدم نجاح الامم المتحدة في مساعيها فعلى الولايات المتحدة ودول الناتو والدول العربية التجهز كي تمنع المذابح والا كررنا كارثة سبرينشتينا التي قتل فيها 8 الاف مسلم عام 1995.
ومع اعترافه ان الحظر الجوي لن يحقق اغراضه ولن يحرف مسار القوة لصالح الثوار لكنه سيمنع قتل المدنيين. ودعا قبل التوصل لاتفاق على المنطقة توفير المساعدات الغذائية والدوائية لمناطق شرق ليبيا. وختم قائلا ان امريكا والمجتمع الدولي مطالبان بالوقوف بشكل حاسم كما في البوسنة وكوسوفو 'اننا متحدون من اجل منع آبق من قتل المسلمين'.
وفي مقال في 'ديلي تلغراف' اتهم المحلل اليميني كون غوغلاند الغرب بانه يريد رحيل القذافي ولكن ليست لديه الخطة المناسبة لانهاء حكمه الطويل. وقال ان جزءا من النجاحات التي حققها الثوار في الاسابيع الاولى يعود الى التشجيع الغربي والترحيب بثورة الليبيين. ولكن بعد الترحيب يبدو ان الغرب يشعر كما يقول 'برهبة الظهور على المسرح' ولا يعرف طبيعة الدور الذي يجب ان يلعبه: هل يتدخل في الحرب الاهلية ام يعتمد على القوة الناعمة لاجبار النظام على الرحيل؟ واتهم الكاتب اليميني غوغلاند امريكيا بأنها مصابة بداء العراق اي الخوف من تكرار اخطائها عندما غزت العراق (كان الكاتب من اشد المؤيدين للغزو).
ويعتقد انه كلما طال امد الحرب في ليبيا ضاقت خيارات الغرب للتدخل او التأثير على مسار الاحداث فيها وهناك مخاطر من ان يتحول الغرب في موقفه الى 'مضحكة' خاصة في طرابلس.