سيد أحمد الخضر

لأن القذافي قال إنها تعمل على زعزعة الأمن الليبي وتروج للأكاذيب قررت أن أبحث عن وسيلة إعلام غير الجزيرة حتى نستقي الحقيقة من مصادر أخرى، لكني وجدت الإعلام كله في الغرب وفي الشرق مُجمعاً على أن القذافي لم يعد يسيطر على الأمور في ليبيا وأن كتائبه عاثت في الأرض فسادا ومثلت بالصحافيين الذين رفضوا أن يكونوا شهود زور للأخ سيف الإسلام ابن الأخ القائد معمر القذافي.
القنوات كلها توزع على الصحافيين حبوب الهلوسة فينقلون لا إرادياً أخباراً كاذبة تخدم تنظيم القاعدة وتسيء للاستقرار الليبي ومكانة ملك ملوك إفريقيا. هكذا اعتبر أنصار معمر القذافي الذين نصحونا مؤخرا بمتابعة القناة الليبية لأنها تنقل الأخبار بتجرد وموضوعية!
ولأنني أبحث عن الحقيقة أمضيت يومين أتابع التلفزيون الليبي الذي لم أشاهده في حياتي من قبل، لكن المفاجأة لم تكن في الحسبان فالتلفزيون الليبي يعلن كل دقيقة هزيمة القذافي ويؤكد أنه لا صديق له ولا حليف. إنه ينقل فعلا الحقيقة التي لا مراء فيها وهي أن القذافي هزم شر هزيمة. يقول التلفزيون في خبر عاجل: إن عجوزا من بوركينا فاسو تضرعت إلى الله لنصرة معمر القذافي، وفي خبر أكثر أهمية: أعيان الطرق الصوفية في إحدى ضواحي العاصمة السنغالية دكار يتضامنون مع العقيد معمر. وعندما تريد القناة أن تقنع الليبيين بأن هناك قادة في العالم مستعدون لرد القدر عن الزعيم العقيد يقطع البث لإذاعة هذا الخبر الكبير العريض: عبدالله سامبي رئيس جزر القمر لم يتخل عن مؤازرة القائد. ولا يهتم التلفزيون إطلاقا بمواقف مجلس الأمن وحلف شمال الأطلسي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.
كان سيف الإسلام قال من قبل: إن النظام لم ينجح في إدارة المعركة إعلاميا، وكنت أعلم أن الإعلام في ليبيا فاشل جدا مثل جميع المؤسسات التي تربت في المدرسة الخضراء فلا أحد يتوقع من تلفزيون القذافي أن يكون احترافيا أحرى أن يكون مهنيا أو موضوعيا. توقعت أن يكون خطاب المؤسسات الإعلامية القذافية خطابا مهزوما يكتفي بردة الفعل ويتحرى الكذب ليقول إن الأمور تحت السيطرة وكل شيء على ما يرام وإن المسلحين يُمولون من الغرب والقاعدة والكثير من التناقضات التي تعكس الهزيمة. لكن تحول هذا الإعلام من الخطاب المهزوم إلى خطاب يصنع الهزيمة هو ما لم أتوقعه قبل مشاهدة بيانات التأييد والمناصرة تلك. لقد كان التلفزيون الليبي في الحقيقة صادقا مع الليبيين من حيث لم يرد. لقد قال لهم وأظنهم فهموها أيضا إن القذافي انتهى ولم يعد له من ولي ولا نصير. إنه لمن المثير للشفقة تعويل النظام على دور عجائز بوركينا فاسو ومشعوذي السنغال في مواجهة شعب قرر أن يثور laquo;دار دار، بيت بيت، فرد فرد، زنقة زنقةraquo;.
الصورة باتت واضحة يا جماهير طرابلس فالتلفزيون ينعى لكم القائد الفيلسوف. إنه يقول لكم: لم يعد مع القذافي من بين جميع قادة العالم سوى فخامة الرئيس عبدالله سامبي، فأوباما وساركوزي والقادة العرب كلهم في كفة ورئيس جزر القمر في كفة. إنها علامة النهاية ومن مؤشرات النهايات أيضا خطابٌ نقله التلفزيون الممتع صراحة عن سيف الإسلام يقول فيه إن ثقته في الله كبيرة وإنه يعول على الله في حسم المعركة. نحن نعرف أن سيف الإسلام ليست له علاقة برب العالمين ولم يعرفه في الرخاء حتى يحق له أن يتعرف عليه في الشدة. لقد قال القذافي لليبيين قبل أيام: غنوا وارقصوا.. وأنا أقولها لهم أيضا ولكن هذه المرة بمناسبة رحيل الأخ القائد.