مأمون فندي
على الرغم من أن قرار مجلس الأمن رقم 1973، الصادر بشأن ليبيا، لا يطلب تغيير النظام، فإن عباراته الواسعة ونوعية الهجوم الدولي ونوعية الدول المشاركة في التحالف.. كلها توحي بأن الهدف هو تغيير النظام، وأن نموذج القذافي لم يعد مقبولا لا دوليا ولا في المنطقة. يريدون تلقين القذافي الدرس الأخير.
النموذج الذي على الطاولة اليوم في العواصم الغربية للتعامل مع العقيد هو نموذج صدام حسين، ولكن من دون الأخطاء الأميركية في التجربة العراقية. القذافي هو صدام بالنسبة للغرب اليوم، رجل يقتل أهله، وبهذا فقد المبرر الأخلاقي لوجوده.. رجل ارتكب جرائم ضد الغرب وكذب عليهم مرتين في قضية لوكيربي الشهيرة، مرة يوم ادعى أن لا صلة له بما حدث، والمرة الثانية في خروج المقرحي تحت بند المرض، مما هيج الجماهير الغربية على حكوماتها. ما نراه اليوم هو بداية لحملة تغيير النظام. حظر جوي يهدف إلى تحويل بنغازي والشرق الليبي إلى كردستان، أي وجود ما يقرب من شبه دولة ذات سيادة في شرق ليبيا، وإيجاد منطقة تعمل فيها المعارضة بأمان، وتعطي الغرب فرصة إنزال متقدم للقوات، على الرغم من إعلان أوباما أنه لن يكون هناك جنود على الأرض الليبية.
التخطيط الأميركي والأوروبي الحالي يجعل حالة القذافي أسهل بكثير من حالة صدام حسين، أي أن الحرب ومنطقة الحظر الجوي لن تستمرا الـ10 سنوات التي استمرتها في العراق، لكن القذافي على عكس صدام لن يخرج من ليبيا إلا ويحرقها كلها معه، كما فعل صدام بآبار النفط.
كنت في السابق أتصور أن سيف الإسلام القذافي، الشاب الذي يلبس البدل الغربية الراقية ويتحدث الإنجليزية، كنت أتصوره أعقل من أبيه، لكنه، على ما يبدو، أكثر رعونة، أي أنه أبوه مضاف إليه طيش الشباب، وهذا مما سيعقد المشهد، ويحول ليبيا إلى جمرة نار كما قال القذافي، أو يدخلها في نفق الحرب الأهلية كما توعد سيف الإسلام في بداية الأزمة، أو تستمر الحرب بيتا بيتا، وزنقه زنقة، كما قال العقيد في أغنيته الشهيرة.
حظ القذافي العاثر هو أن السياق العربي قد تغير في النظر لمسألة الاستعمار الغربي، تلك الدعوة التي كانت تهيج الجماهير العربية في الشارع، أيام صدام حسين، ليست موجودة الآن. أساس هذا التغيير حدث في مصر، التي كانت فيها أعداد غفيرة ممن يهتفون للقذافي مقابل أجر معلوم، ومعظم ذلك الهتاف كان بإيعاز من عناصر النظام المصري السابق وصبيانه في الصحافة والإعلام ممن لهم مصالح مع القذافي. فنحمد الله على أنه سيعفينا من حملة التضليل التي أدمنتها القاهرة من الكلام الفارغ عن الاستعمار الغربي الذي يستهدف نظام العقيد القذافي المناهض للإمبريالية، كما كانت تهتف جوقة صدام مدفوعة الأجر في السابق. إن البشاعة التي أظهرها القذافي تجاه أهله، ممن فرض عليهم القدر حكمه، لا تليق لا بالعرب كبشر ولا بتاريخهم، من يمارس هذا النوع من العنف لا يستحق أن ينتمي إلى عالم الإنسانية الذي نعرفه.
السياق العربي على مستوى الدول تغير أيضا؛ فهاهي الجامعة العربية ذاتها تدعو مجلس الأمن إلى فرض حظر جوي على ليبيا لإنقاذ الشعب العربي الليبي من قبضة القذافي. هذا الغطاء السياسي والأخلاقي هو الذي أدى إلى مرور قرار مجلس الأمن، ولولاه لتعذر استقطاب كل من الصين وروسيا إلى صف القرار، على الرغم من مصالحهما الكبيرة مع نظام القذافي.
ومع ذلك المهمة ليست سهلة في عالمنا العربي؛ فالعملية الحربية التي يشنها التحالف المدعوم بقانونية قرار مجلس الأمن رقم 1973، يمكن أن تفلت من بين أيدينا إذا ما طال أمدها، وإذا ما زادت نسبة القتلى من المدنيين إلى حد لا يقبله المواطن العربي في كل من تونس ومصر المجاورتين لليبيا، دولتين لم تختبرا بعد. كيف سيرى مواطنوهما الحرب في ظل أجواء الحرية الجديدة؟ هذان الشعبان كانا في السابق يداران بالـlaquo;ريموت كنترولraquo; من قبل الأنظمة، فكانت لا تخرج مظاهرة في مصر إلا بإيعاز من النظام، أما اليوم فالمسألة اختلفت، وربما نرى تظاهرات كبرى في مصر أو لا نرى، ولا ندري هل ستكون مع العقيد أم مع الثوار.
على الغرب أن يتعامل مع الجانب السياسي للأزمة الليبية بحساسية حتى لا يخرج الديكتاتور منتصرا على المستوى السياسي، وإن ناصرته الشعوب فلن يكون ذلك حبا فيه، ولكن كراهية في الغرب، فموروث كراهية الغرب الذي كانت تشحنه الأنظمة الديكتاتورية لن ينتهي في يوم وليلة.
ومع ذلك سيكون الإقليم أفضل من غير القذافي، وظني أنه لن تكون هناك جموع تسكب الدموع على رحيله، لا في الشرق الأوسط، ولا في أي بقعة في العالم.
التعليقات