سوسن الشاعر
التحركات الإيرانية تجاه الأزمة البحرينية التي تمثلت بتصريحات من أعلى مستويات الرئاسة؛ سواء من نجاد أو وزير خارجيته، كشفت عن الدور الإيراني بلا مواربة في الأزمة البحرينية، لذلك دعك من الأدلة والبراهين المادية وغير المادية التي نراها في البحرين، لو أننا اكتفينا بالتحركات الرسمية الأخيرة التي قام بها نجاد ووزير خارجيته فحسب، لكانت دليلاً دامغاً على تورط إيران فيما حدث عندنا. هذا ليس بجديد ولم تكن المرة الأولى؛ إنما الملفت للنظر هو الموقف الأمريكي الذي اتسم بتضارب التصريحات تجاه الأزمة البحرينية، فقد كان هذا التذبذب عنصراً من عناصر التهديد للأمن البحريني، وعاملاً مساعداً في كثير من الأحيان على تزايد حدة العنف من المحتجين، وتذكرنا بذات السياسة الأمريكية تجاه النظام المصري، وهي سياسة أربكته وكانت أحد أسباب تخبطه في التعامل مع أزمته، وقد كان ممكناً أن تؤتي ذات النتيجة لو أن القيادة في البحرين ترددت لحظة أمام هذه التصريحات وتقدمت بخطوة للأمام وخطوة للخلف كما كان مخططاً لها، لكن الله ستر. ذات التصريحات الأمريكية كانت عاملاً مشجعاً لرفع سقف المطالب، وللتعنت في قبول الحلول الوسط، وللإصرار على عدم تقديم تنازلات، فإذا أضفنا لها ما تقدم من دعم إيراني اضطر مرغماً للكشف عن ستره بالتدخل السافر من أكبر القيادات الإيرانية؛ فإننا نرى درجة من درجات التفاهم الأمريكي الإيراني على ما حدث في البحرين. نعرف كذلك، وليس بجديد، أنه من زمن وإيران تحاول أن ترسل رسائل تطمين عبر وساطات للولايات المتحدة الأمريكية أن إيران لا تهدد المصالح الأمريكية، وأن بإمكانهم الثقة في إيران بتوفير ما يلزمهم من الطاقة والغاز. بدورها الولايات المتحدة لا تمتنع عن مناقشة الفكرة تماماً، ولديها أجنحة في الإدارة الأمريكية وبعض من مستشاريها يشجعونها على ذلك، وعليه فإن إمكانية التحالف بعيداً عن السجالات العلنية التي نراها حول الملف النووي وحول العقوبات وغيره هي إمكانية واردة وليست مستحيلة، فلا نعجب إن اتفق الاثنان على الإطاحة بالأنظمة الخليجية مقابل صفقة بعيدة بتقاسم الكعكة. من يعرف السياسة الأمريكية في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية يعرف أنها دائماً ما تضع رجليها على الضفتين وتشجع الاثنين على التمادي، بمعنى أنه لا تتعجبوا إن تراجعت الولايات المتحدة عن هذا القرار المتهور، وعززت دعمها للأنظمة، في النهاية ستقف مع من سترجح كفته، ومراقبة الأحداث عن قرب هي التي تحدد أين ستقف أمريكا مع الأنظمة الخليجية أم مع إيران؟ ولا تسألني أين أمريكا من الشعوب؟ ولا تسألني أين أمريكا من الشيعة؟ ولا تسألني عن الحقوق المطلبية و.. وحقوق الإنسان وأي بطيخ آخر، فكلها في عرف الولايات المتحدة (طز)، أمريكا تعرف مصلحتها فقط. لذلك فإن خطابي اليوم لهم؛ إن تهوركم وتسرعكم وعدم وجود معلومات حقيقية عندكم واعتمادكم على مصادر أحادية النظرة، أوهمتكم أن الأنظمة الخليجية أنظمة متهاوية، وأنها فقدت شرعيتها، قيل لكم أن الأنظمة تعتمد على البعد التاريخي فقط، وأنه لا شرعية لها مع الأجيال القادمة. نقول لكم على فرض أن ذلك صحيح لسوء إدارة، لفساد، لـ.. لـ.. إنما اليوم، ومن بعد انكشاف الدور الإيراني السافر، وسقوط القناع بهذا الشكل الفاضح، ومن بعد الشعور بالتهديد الإيراني ومواجهته وجهاً لوجه؛ فإنكم ستجدون التفافاً من الشعوب الخليجية حول أنظمتها لم تعهدوه من قبل، ليس هذا فحسب؛ بل من بعد انكشاف مدى تهاونكم بالدفاع عن الشعوب الخليجية في مواجهة الأطماع الإيرانية، فإن ذلك سيدفعهم إلى حث أنظمتهم للبحث عن سلة تحالفات -لا سلة عملات فقط- لا تبقينا تحت رحمتكم. ومن هنا تدعو الشعوب الخليجية من خلال برلماناتها ومؤسساتها ومستشاري القيادات، أن تفتح الأنظمة الخليجية الباب لتحالفات أوروبية تركية آسيوية روسية، ولا تظل تحت رحمة من هو مستعد أن يبيعنا (قيادات وشعوباً) ضمن صفقة واحدة. كان أكبر خطأ استراتيجي خليجي لمجلس التعاون هو الاعتماد على هذا التحالف وحده، وأكبر خطأ هو انتظار كلمة تخرج من فم زوجة كلينتون، التي تبدل أقوالها مليون مرة خلال الأربع والعشرين ساعة بتعمد مقصود كشفته الأيام ونجونا من تهوره. ولنا كلمة مع زوجة كلينتون؛ هل تأمنون إيران فعلاً؟ ألا تلحظون أن العلاقات الروسية الإيرانية مازالت عسلاً، ومستمرة من خلال تزويدها ومساعدتها بالتسلح وببرامج الطاقة النووية. هل يخفى عليكم أن البحرين هي خاصرة الخليج، واختراقها هو مفتاح الباب للدخول لأكبر مخزون للنفط والغاز في العالم. سأحيلكم لواحد من العديد من البحوث حول هذا الموضوع، وعندكم من البحوث أكثر منها؛ ففي جريدة السياسي الإلكترونية بحث للدكتور ماجد بن عزيز التركي، وهو باحث في الشؤون الروسية في مايو ,2008 أنقل منه التالي ''وقع الرئيس الروسي ميدفيديف، على وثيقة تحمل اسم (استراتيجية أمن روسيا القومي في فترة ما قبل عام 2020)، وتدعو الوثيقة إلى ضرورة أن تولي روسيا منطقة بحر قزوين كل اهتمامها، لأن هناك دولاً خارج هذه المنطقة، تسعى إلى فرض سيطرتها على الثروات الطبيعية المحلية، وبالأخص الثروة النفطية، وهو أمر يعتقد المسؤولون الروس، أن بإمكانية تحالف بين موسكو وطهران، تقليص المطامع الخارجية في ثروات بحر قزوين، ولاسيما مطامع دول الاتحاد الأوربي، التي تعتمد بشكل شبه كامل على واردات الغاز القادم من وسط آسيا، كمصدر رئيس للطاقة. وكشف الاجتماع الروسي، عن احتمال كبير، بأن يسعى الرئيس الروسي إلى استخدام القوة العسكرية، لنشر النفوذ الروسي في المنطقة، حيث أكدت الوثيقة الصادرة عن الاجتماع، على ضرورة أن توطد روسيا حضورها العسكري في المنطقة، وهو أمر ربما يستلزم التعاون بصورة أكبر مع الحليف الإيراني، الذي يعتمد بشكل كبير على الواردات الروسية، لاسيما من السلاح. وتشير كل الدلائل حالياً، إلى أن موسكو تجد في إيران الحليف الذي تبحث عنه، فقد أكد مسؤول بارز في وزارة الخارجية الروسية، أن وجهات نظر موسكو وطهران حيال بحر قزوين، تتطابق في الوقت الراهن، وباتت موسكو تؤيد مبادرات إيرانية خاصة ببحر قزوين'' انتهى الاقتباس. هل تعتقدون أن إيران ستلغي هذا التحالف كرامة لكم؟ أم أن روسيا ستتفرج عليكم وأنتم تقتسمون الكعكة مع حليفتها الإيرانية؟ هل هي بمثل سذاجة أنظمتنا الخليجية حيث تكتفي بالحليف الواحد؟ أنتم بلعبتكم الغبية هذه وبالسماح لبعض أجنحتكم بالتحالف مع إيران كمن يعبث بجهالة بحلفائه، ويجازف بخسارتهم من أجل سمك في الماء مع إيران التي تتحالف مع غيركم وتعدهم كما تعدكم. ماذا كانت النتيجة؟ لقد أثرتم القلق عند الشعوب الخليجية أكثر مما أثرتم القلق عند أنظمتها، الشعوب الخليجية ذات العمق الاستراتيجي لا الجماعات النشطة التي تتصل بسفاراتكم وترسل لكم التقارير وتدفعكم للتحرك وتضللكم بمعلوماتها. أنتم أيضاً أيقظتم المارد الخليجي برمته لا البحريني فحسب؛ ليفتح عينه على من كان مستعداً لبيعه وتقديمه قرباناً في غمضة عين
التعليقات