ظافر محمد العجمي


من أسهل الأمور التي يمكن الوقوع فيها عند القراءة السطحية لمسألة العقوبات الأممية على إيران هو أنها ستجبر نظام طهران على الرضوخ للإرادة الدولية ومن ثم إيقاف صراعه العبثي مع وكالة الطاقة الذرية الدولية دون تبعات على الحياة الطبيعية للسكان أو على محيط إيران الإقليمي.
ففي قراءة تسجيلية دقيقة لما هو قائم، اتهم مبعوثو الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الأمم المتحدة بالبطء في تشكيل لجنة لمراقبة مدى التزام إيران بالعقوبات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن تحت رقم 1929 في 9 يونيو 2010م ولم يأت هذا الاتهام إلا بعد فشل بنود القرار الذي صدر قبل ثلاثة أشهر في تحقيق أهدافه.
ففي المجال النووي ما زالت إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم، رغم استمرار موسكو في حقن مفاعل بوشهر بالوقود النووي الشرعي. وفي مجال السلاح والذخائر جاء القرار لتحجيم القدرة العسكرية التقليدية لكن طهران احتفلت بالقرار من خلال تدشين أربع غواصات وطائرة من دون طيار وصاروخ بالستي. أما في المجال المالي والاقتصادي وحركة الأشخاص فقد أغلقت عدة بنوك في دولة الإمارات العربية المتحدة لكن حجم التجارة الرسمية بين الإمارات وإيران ما زال يبلغ 12 مليار دولار أميركي، ولم يحد إغلاق أكثر من 40 شركة إيرانية في دبي من استمرار تجارة تهريب يصل مردودها كما تقول (صحيفة طهران اليوم) إلى 14 مليار دولار أميركي. أما في مجال تفتيش السفن الإيرانية أو المتجهة إلى إيران فقد أوصل رسالة طهران الانتحاري أيوب الطيشان من منظمة القاعدة الذي تعرض للسفينة اليابانية laquo;أم ستارraquo;، حيث استوعبت laquo;قوة الواجب البحرية المشتركة laquo;CTF 152raquo; ذلك ولم تفتش سفينة واحدة حتى الآن.
من مؤشرات فرض حزمة عقوبات جديدة، المطالبة بتفعيل دور لجنة لمراقبة التزام إيران بالعقوبات الدولية. فرغم أن مجلس الأمن قد شكلها في يونيو الماضي لتقديم تقارير منتظمة، إلا أنها لم تقدم شيئا وكأن حكام طهران مجموعة من الملائكة المنضبطين. في الوقت الذي تقوم فيه لجان مشابهة لها بمراقبة العقوبات في السودان والكونغو وكوريا الشمالية ودول عدة، كما أن من مؤشرات فرض عقوبات جديدة قلق سوزان رايس، المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة حين وبخت مجلس الأمن ولجنة العقوبات قائلة laquo;إن عليهما أن يبحثا ردا مناسبا على الانتهاكات العديدة المستمرة من جانب إيرانraquo; فماذا يملك مجلس الأمن إلا عقوبات جديدة ستعمل واشنطن على توفير مبررات فرضها. وفي هذا السياق تم فتح جبهة جديدة على إيران بقيادة جون تشيبمانraquo; Dr John Chipmanraquo; الرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية laquo;IISSraquo; في لندن الذي حرص أن يضمّن في laquo;التقرير الاستراتيجيraquo; الصادر مؤخرا ما يفيد أنه من غير الواضح على الإطلاق للمجتمع الدولي لماذا تمتلك إيران صواريخ بالستية، قائلاً إن هذه الصواريخ يمكنها نقل رؤوس نووية. فهل تعطي الصواريخ الإيرانية شهاب وزلزال وفاتح ونزعت وفجر وعقاب دفعة جديدة للعقوبات؟
كما ذهب السفير البريطاني مارك ليال غرانت إلى نفس المنحى حين قال إن اليورانيوم المخصب في إيران يشكل مرحلة مهمة نحو القدرة على تخصيب لأغراض عسكرية. وهذا يعني أن بريطانيا ترى أن هناك حاجة للقيام بإجراءات جديدة لوقف ذلك. كما جاءت التصريحات الفرنسية في نفس السياق المحرض على عقوبات جديدة حيث شدد السفير الفرنسي جيرار ارو على أن إيران تستمر في رفض الوفاء بالتزاماتها وأن البرنامج النووي الإيراني ليس ذا طبيعة سلمية ذات صدقية وينبغي أن يكون ردنا حاسما. وحتى رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني دعا لتشديد العقوبات ضد إيران، بل إن صاحب المغامرات النسائية لم ينس أن يشير إلينا باتهامات خرق قرار العقوبات حين قال: إنه من المهم أن يتم اتباع هذا النموذج من قبل آخرين وأفكّر بدول الخليج التي تقيم علاقات اقتصادية وثيقة مع إيران.
سوف يكون لحزام العقوبات عند زيادة شده آثار شديدة على الخاصرة الإيرانية، ثم على أطراف الخليج العربي. فبناء على ما نشرته صحيفة (روز) النهار الإيرانية من صور البؤس التي تعيشها قطاعات من الشعب الإيراني نجد أنه لا يزال ربع الشعب الإيراني يعيش تحت السعف والطين، حيث لا مدارس في الكثير من القرى والأرياف، في الوقت الذي يذهب فيه %10 من عائدات الثروة النفطية الإيرانية للجماعات المسلحة في العالم، كما خلقت حركة هجرة واسعة بين الأقليات ومنها هجرة ثلث الأرمن إلى الغرب، والأحوازيين إلى الخليج العربي. ونتوقع زيادة الهجرة والتسلل إلى الخليج من فئات إيرانية أخرى. كما أدت أنفاس طهران الملتهبة من ألم العزلة إلى شحن الأجواء الطائفية في الأسابيع الماضية في البحرين والكويت بصورة مخيفة قد تقود إلى القلاقل وإحداث الشرخ بين فئات المجتمعات الخليجية، مفككة أطراً اجتماعية قائمة منذ أجيال.
ورغم أن مقاربة المشهد النووي الإيراني تُظهر مؤشرات عدة بقرب فرض عقوبات جديدة إلا أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يكابر قائلا laquo;أن لا تأثير للعقوبات حتى وإن تمت مضاعفتها مئة مرة، وحتى وإن انضم الأوروبيون إلى الولايات المتحدة لفرض عقوبات أقسىraquo;، حيث تبقى تساؤلات يجب أن تشغل حيزا كبيرا من أفق دول مجلس التعاون حول مدى الإدراك بتبعات العقوبات السابقة، وما هو التفاعل الإيجابي المنتظر مع تبعات العقوبات القادمة. فمكونات الخطاب الخليجي حول هذه القضية تبلغ درجة التناقض أحيانا..