عبدالعزيز صباح الفضلي

مرت جنازة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فوقف لها، فقال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله إنها ليهودي، فأجابهم: أوليست نفساً.
إن هذا الموقف يعلمنا أن الإسلام يحفظ كرامة النفس البشرية أياً كان صاحبها، مسلماً كان أو كتابياً، غنياً أو فقيراً، عربياً أو أعجمياً، حياً أو ميتاً.
ولذا فإن المسلم الصادق يتألم لكل دم يراق أو نفس تزهق، يبكي على الدماء التي تسيل في غزة والعراق وأفغانستان، ويترحم على شهداء الثورات في ليبيا واليمن ويتألم لضحايا الزلزال في اليابان ويقف ضد قتل المدنيين المسالمين أينما كانوا، سواء في البحرين أو غيرها من البلاد طالما أن أيديهم لم تتلطخ بدماء الأبرياء، أما من تعمد القتل والترويع فإن الله تعالى يقول laquo;ولكم في القصاص حياةraquo; وحق القصاص لا يكون إلا بيد الحاكم وأن يكون بعد محاكمة عادلة.
إننا في هذه الأيام نعيش شحناً طائفياً غير مسبوق سواء في محيطنا الداخلي أو الخارجي، تذكيه بعض وسائل الإعلام وسياسيين ورجال دين، وهو إن لم يتم تداركه من قبل العقلاء والحكماء فإنه سيشعل المنطقة بأسرها.
رأينا شحناً انتقامياً من خلال بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية والتي دعا بعضها إلى تسجيل أسماء متطوعين للقيام بعمليات انتحارية داخل البحرين، ونرى شحناً طائفياً لا يتوقف من خلال كثير من المآتم التي تستذكر معارك وأحداثاً وقعت قبل أكثر من ألف عام، ويردد مرتادوه يا لثارات الحسين، ولا أدري ممن سيؤخذ الثأر؟
لقد كنا في الجزيرة العربية لا نعاني من الصراعات الطائفية، فلقد كان الزواج والمصاهرة بين السنة والشيعة معروفاً ويخبرني كثير من كبار السن من مختلف القبائل حتى أهل الجنوب كيف كانوا في السابق يحضرون الحسينيات، ولا يرون أي كره أو عداوة بين الطائفتين، واستمر ذلك حتى جاءت الثورة الخمينية المشؤومة والتي جعلت من أهم أهدافها تصدير الثورة، لتبدأ معها الصراعات الطائفية والتي لا نزال نعاني من آثارها إلى يومنا هذا. إننا ندعو إلى أن تشيع روح العفو والتسامح بين الناس وتغليبها على روح الانتقام خصوصاً بين أبناء المجتمع الواحد.
لما أراد المسلمون الانتقام من كفار قريش بعدما مزقوا جثمان حمزة وغيره من الصحابة ومثلوا بها وشوهوها، فأقسموا على قتلهم والتمثيل بجثثهم نزل قول الله تعالى laquo;وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرينraquo; وهي آيات تحذر من التعدي في أخذ الحق وتحث على العفو والصفح. فلما فتحت مكة عفا النبي عليه الصلاة والسلام عن المشركين وقال laquo;اذهبوا فأنتم الطلقاءraquo; وكان ذلك سبباً في دخول كثير منهم في الإسلام، فهلا تصدر شهم لرفع راية التصالح وتحقيقها بين أبناء الأمة.
الفضلي والقرضاوي
ضحكت كثيراً من تلك التعليقات التي تريد أن تحملني دماء القتلى في البحرين وتجعلها في رقبتي، مع أنني لم أدعو يوماً إلى قتل أي من المتظاهرين، وأتحدى من يأتي بدليل واحد، وإنما اعتراضي كان على استخدام المتظاهرين البحرانيين للعنف في مظاهراتهم والتي يزعمون أنها سلمية، وذكرتني هذه التهمة، بما قذف به الشيخ القرضاوي حينما قال بعضهم ان دماء المتظاهرين في مصر وليبيا في رقبة القرضاوي.
سؤال أخير: طرحت في المقال السابق تساؤلاً عن عدم سماعنا أو قراءتنا لأي تصريح من بعض النواب الذين يزعمون الوطنية والإنسانية حول انتهاك حقوق الإنسان في إيران، ولم تصل أي إجابة، وأود ان أطرح تساؤلاً آخر اليوم ألا وهو في رقبة من الدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت في إيران؟