روس دوثات

قبل خمس سنوات، وفي أحلك أيام التمرّد الدموي والعنف السني- الشيعي، بدا كما لو أن الحرب على العراق ستلقي بكاهلها على السياسة الأميركية الخارجية لعقود طويلة مستقبلية، وتدب الرعب في قلوب جيل من رجال الدولة تجعلهم يعيدون النظر في اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية. فبعدما كان هناك ما يسمّى بـ quot;اعراض فيتنامquot; سيكون هناك اليوم ما يعرف بـ quot;اعراض العراقquot; ليعيد مشاهد ما حدث في بغداد والفلوجة، وتكون ماثلة في ذهن أي سياسي أميركي يدرس الموافقة على احتمال التدخل العسكري في الخارج.
لكن في واشنطن اليوم، ليس هناك ما يوحي بوجود مثل هذه الاعراض. في الواقع، من المذهل كيف أن التحالف بين الحزبين (الديموقراطي والجمهوري) الذي دعم غزو العراق، أعاد تجميع نفسه لحث الرئيس الأميركي باراك أوباما على استخدام القوة العسكرية ضد ليبيا و(الرئيس الليبي) معمر القذافي.
لقد عرفت حرب العراق باسم حرب الرئيس جورج بوش، بعدما تبيّن أن أسلحة الدمار الشامل التي زعم أن صدام حسين يملكها لم يكن لها أي وجود، ولأن في تلك المرحلة، لم يكن هناك أي ليبرالي راغب في تحمّل مسؤولية النزاع. غير أن الغزو المبدئي حصل على دعم الديموقراطيين كما الجمهوريين، والليبراليين القوميين والمحافظين الجدد هيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الديموقراطية) كما جون مكاين (أحد كبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ)، (صحيفة) الجمهورية الجديدة (نيو ريبوبليك) كما (صحيفة) الويكلي ستاندارد (الديموقراطية).
واليوم يصدح كورس مشابه بترنيمة ضرورة تدخل الولايات المتحدة الأميركية مباشرة في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا: من خلال فرض منطقة حظر جوي/ بالتأكيد، وربما من خلال تسليح الثوار الليبيين وشن غارات على القوات المسلحة التابعة للقذافي أيضاً.
وكما في العامين 2002 و2003، فإن قضية التدخل العسكري في ليبيا يتم الترويج لها من قبل شريحة واسعة من السياسيين وصناع القرار في الولايات المتحدة من (الرئيس الأميركي السابق) بيل كلينتون، إلى (المحلل والمعلق السياسي المحافظ) بيل كريستول و(رئيس تحرير مجلة نيوزويك والمعلق في صحيفة واشنطن بوست) فريد زكريا إلى (رئيس مجلس النواب الأميركي السابق الجمهوري) نيوت غينغريش غلى (السيناتور الديموقراطي والمرشح الرئاسي السابق) جون كيري و(الصحافي والروائي الأميركي) كريستوفر هيتشنز.
كما تبدو المبررات التي تستخدم لتبرير التدخل العسكري في ليبيا، مشابهة للحجج التي استخدمت لتبرير الإطاحة بصدام حسين. إن مصداقية الولايات المتحدة على المحك. يستحق الشعب الليبي دعمنا، لكن الإطاحة بالقذافي ستشكّل ضربة موجعة للديموقراطية وحقوق الإنسان.
تأتي هذه المبررات والحجج كشهادة على القدرة التي تتمتع بها القوة الأميركية بعد فترة قصيرة من أعنف السنوات دموية في الحرب على العراق. غير أنها شهادة أيضاً على إنجازات الجيش الأميركي: وبتغييب النجاحات من زيادة عدد الجنود الأميركيين في العراق في العام 2007، فإننا على الأرجح سنكون منشغلين جداً في تخليص أنفسنا من الحرب على العراق، أكثر من التفكير في خوض تدخل عسكري آخر في دولة مسلمة.
لكن هذه القدرة والإنجازات قد تكون نصبت لنا فخاً من خلال تشجيع القيادة الأميركية على استنباط دروس ضيقة نسبياً من حرب العراق- الدروس التي يمكن تطبيقها فقط على الحروب التي ترتكز الى معلومات خاطئة عن وجود أسلحة دمار شامل، أو حروب قادها (وزير الدفاع الأميركي السابق) دونالد رامسفيلد.
في الواقع، هناك دروس من سنوات فشلنا في العراق يمكن تطبيقها على الحرب الجوية فوق ليبيا بالسهولة نفسها للغزو الشامل أو محاربة التمرد. وفي حقيقة الأمر، يمكن تطبيقها على أي نوع من أنواع التدخل العسكري وبغض النظر عن محدودية أهدافه، وتعددية وسائله، وكفاءة قادته.
الدرس الأول هو أن على الولايات المتحدة أن تدخل في حرب ليس استناداً لخطة التدخل العسكري الأولية فحسب، بل استناداً لخطة عملية لليوم التالي والأيام التي تليها. والدرس الثاني هو أن على الولايات المتحدة ألا تدخل في حرب من دون دراسة شاملة للدولة التي ستشن الحرب عليها وللقوى التي ستحاربها لكي تطيح بها.
وأكثر من ذلك، فاستناداً إلى أفضل الخطط الحربية، غالباً ما تكون الحروب مغامرة عالية الخطورة- ما يعني أن عبء الإثبات يقع على عاتق الصقور أكثر من الحمائم، وسبعة أسباب تبدو منطقية وتعزز نظرية التدخل، قد لا تشكل سبباً واحداً مقنعاً لشن حرب.
يبدو أن المدافعين عن نظرية التدخل في ليبيا ليسوا منضوين تحت راية التعلم من هذه الدروس. لقد حشدوا طاقاتهم من أجل فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا كخطة أولية للإطاحة بالقذافي، لكن معظم المحللين العسكريين يبدو أنهم يعتقدون أن ذلك لن يكون كافياً، ولا يوجد إجماع حول الخطة التالية. فهل نصعّد ونبدأ بشن غارات جوية؟ هل نسلّح المتمردين الثوار؟ هل نكتفي بالخطة الأولية وندع القذافي يزعم بأنه تفوّق علينا.؟
إذا سلّحنا الثوار، مَنْ هي الجهة المحددة التي ستتسلّم أموالنا وذخائرنا؟ إن السياسات الليبية الداخلية غامضة، هذا إذا بسطنا المسألة. لكن إليكم هذه المعلومة التي أوردها مركز الأمن الأميركي الجديد: لقد أوفدت المنطقة الشرقية في ليبيا استناداً لنسبة عدد السكان، وهي معقل الثوار المتمردين على القذافي، مقاتلين أجانب للانضمام إلى المتمردين في العراق، أكثر من أي منطقة أخرى في العالم العربي.
واذا اندلعت الحرب الأهلية وطالت، ماذا نفعل عندها؟ لقد ساهمت الولايات المتحدة مرتين خلال العقدين الأخيرين بفرض منطقة حظر جوي فوق العراق وفوق يوغوسلافيا السابقة. في الحالتين، لم يكن ذلك سوى تمهيد لتصعيد آخر: حملات قصف مكثفة، اجتياح، احتلال ومن ثم عملية بناء الدولة.
لا يعني اياً من هذا أن التدخل هو أكثر مسارات العمل حكمة. غير أن المنطق الإستراتيجي يجب أن يكون قاهراً، والتهديد على مصالحنا الوطنية واضحاً، وأسباب شن الحرب مقنعة ومحكمة.
بالنسبة لليبيا، الأسباب لشن الحرب ليست كذلك بعد.

() (quot;نيويورك تايمزquot; 13/3/2011)
ترجمة: صلاح تقي الدين