يوسف الكويليت

في معاهدة laquo;سايكس - بيكوraquo; تحالفت بريطانيا مع فرنسا على تقسيم الوطن العربي ليخضع لاستعمار طويل وبشع، ونكاية بتأميم قناة السويس حدث الاعتداء الثلاثي ١٩٥٦م على مصر بقيادة إنجليزية - فرنسية، ومشاركة إسرائيلية، فكانت الرصاصة النهائية في جسد الدولتين الاستعماريتين اللتين فقدتا هيبتهما، والآن تقودهما أمريكا في ضرب قوات القذافي، وتعطيهما حق القيادة لأن أمريكا لا تريد الدخول في نفق ثالث بعد العراق، وأفغانستان، بينما عارضت ألمانيا، العضو الفعال في حلف الأطلسي، أي مشاركة لها، وجرى ذات الاحتجاج من قبل تركيا العضو المهمّش في الحلف، ليطلّ شبح أن هذه الحرب ربما تفسر بأنها اعتداء على دولة إسلامية كما جرى في أكثر من بلد..

البريطانيون خرجوا عن وقارهم وكذبة الدولة العظمى بمظاهرات عارمة مستنكرين أنه في زمن تقشف الدولة تَفتَح حرباً جديدة مع ليبيا لتضيف مصاريف جديدة لعبثية الحرب مع أفغانستان والعراق..

قد يهرب أو يتنحى أو يُقتل العقيد القذافي، لكن ما هي الواجهة التي ستتعامل معها القوى الدولية، ومن هي قوة الاحتياط التي سترث النظام، وهل في قدرة الجيوش الأوروبية، إذا ما تخلت أمريكا عنها أن تكون البديل، سواء سيطرت على المراكز الحساسة في الأرض الليبية، أو تحاورت مع فصائل تهيّئها للحكم، دون النظر إلى طبيعة المجتمع والتناقضات الداخلية، أم يجري تقسيم البلد وفق رؤية الاستعمار القديم في فصل مناطق النفط عن غيرها، لتعطي مبرراً أن أهداف هذه الدول ليس حماية الوحدة بل سياسة الاحتواء والتمزيق، وقد يخلق مثل هذا التصرف دورة جديدة من الصراع الذي قد يوحّد فصائل ضد أخرى، وتدخل ليبيا مرحلة صومال جديدة على حدود أوروبا؟

ومثلما ثبت أن حلف وارسو انتهى بنهاية الاتحاد السوفياتي فهل يستطيع حلف الأطلسي، بدون أمريكا، أن يتحرر من عقدة الدولة العظمى، والاعتماد الذاتي على قوة دوله، فيما كشفت أحداث ليبيا عن تصدع الحلف بامتناع ألمانيا، واستهجان تركيا لتصرف لا يقود إلا لحماقات قد تخلق انتشار فوضى ليس بقدرة أوروبا لجمها؟

فتركيا هي الأقرب للتفاوض مع الوضع الليبي بوجود القذافي لإعطائه خيار الخروج بسلام، أو تحمل التبعات التي تنتج عن ذلك، ثم تتهيأ لحوار مع المعارضة التي ربما تجد في تركيا البلد الصادق، بدلاً من الريبة التي تضع أوروبا كيان مطامع لا تحرير، لكن المسيرة ربما تخلق انقساماً داخل الحلف وعلى الأخص لو طال أمد الضربات، واحتاج إلى قوات مسلحة أرضية، ليأتي رد الفعل متجاوزاً أحلام العودة لأضواء الدول الاستعمارية، إلى تكاليف تكسر بقية ضلوع الدولتين في زمن الأزمة الاقتصادية الراهنة، وعلى الأخص لو خرج الشعبان البريطاني والفرنسي في حالات استنكار ومظاهرات واعتصام، فماذا سيكون رد الفعل الرسمي في الدولتين؟ فالانسحاب مخزٍ، والاستمرار كارثة! لكنها السياسة التي قد تغرق الشاطرين في مستنقعها..