خالد الفرم


تحدثت قبل أسبوع في شبكة بي بي سي؛ عن أهمية أن يقدم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، تنازلات سياسية ومبادرة وطنية لحقن دماء المسلمين في اليمن، والمحافظة على وحدة وسيادة الدولة اليمنية الحديثة، مع أهمية تقديم المعارضة في الوقت ذاته تنازلات نوعية مقابل الخروج الاستراتيجي من هذه الأزمة، التي تهدد بقاء وتماسك الدولة اليمنية وتفككها.
ولحسن الحظ وجدت ـ بعد أيام ـ صدى ذلك في الخطاب الرسمي للرئيس اليمني، ما يعني أيضا ـ ومن خلال طرح الرئيس علي عبدالله صالح على قناة العربية ـ أن الرئيس اليمني لا يمانع في انتقال سلمي ومدروس للسلطة والتنحي عن رئاسة الجمهورية خلال فترة وجيزة، إلا أن اشتراطات المعارضة في عدم استمرار ترؤس الرئيس علي عبدالله صالح لمؤتمر الحزب الحاكم وبعض الموضوعات الإجرائية، قد تشكل معضلة رئيسية بين الطرفين مع اتساع أزمة الثقة بينهما، فالمعارضة تريد تسليم السلطة فورا، وخروج الرئيس صالح وحزبه من العمل السياسي في اليمن، بينما يريد الحزب اليمني الحاكم استمرار دوره السياسي خلال الفترة القادمة.
والرئيس صالح يتمتع بذكاء سياسي رفيع، فهو يدرك الأخطار المحدقة بالدولة اليمنية،التي تتأرجح بين مطرقة القاعدة وسندان التفكك والانفصال، بدءا من الحراك الجنوبي، ومرورا بتحديات الحوثيين، وأخيرا بتوسع مناطق القاعدة في اليمن، التي تعاني ـ أيضا ـ ظروفا اجتماعية واقتصادية كبيرتين؛ تجعل منها تربة خصبة لمزيد من التشرذم والانقسام، ومنصة إقليمية لاضطرابات واسعة في المنطقة.
من هنا تبرز أهمية المحافظة على مكتسبات الدولة اليمنية الموحدة، واستثمار المشتركات الهشة بين المعارضة والرئيس اليمني حيال الأزمة، من خلال وساطة استراتيجية تسهل عملية ولادة حلول مدروسة؛ تحقق تطلعات المجتمع اليمني المشروعة، والرامية للحرية والديموقراطية والتغيير، مثلما توفر في الوقت ذاته؛ ضمانات مزدوجة تطمئن الفرقاء، الذين تسيطر عليهم شكوك التآمر والانتقام.
فاليمن يشكل عمقا استراتيجيا للمملكة، مثلما يحتوي على ملفات حساسة، تستدعي اليقظة الإقليمية والاستنفار، لجهة انتشار السلاح في كافة أنحاء البلاد، وتمدد وجود القاعدة، واتساع حجم البطالة والفقر في المجتمع اليمني، ما يعني أن معالجة الأزمة اليمنية المتفاقمة، ضرورة استراتيجية، إقليميا ودوليا، على قاعدة رغبة الرئيس صالح في التنحي، وتطلع الشعب اليمني للتغيير.