خيرالله حيرالله

يصعب التكهن بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في اليمن على الرغم من وجود توازنات معينة في البلد يصعب تجاهلها في أي شكل. سبب غياب الرؤية الواضحة لمستقبل البلد التعقيدات اليمنية وطبيعة البلد المختلفة عن كل دول المنطقة وحتى العالم. لكن ذلك لا يمنع القول ان هناك خيارين في غاية الوضوح في استطاعة اليمنيين الأخذ بأحدهما. الخيار بين الانتقال السلمي للسلطة من جهة وبين الفوضى والمجهول من جهة أخرى. من الناحية العملية، يفترض في اليمنيين في الظروف الراهنة التي يمر بها بلدهم الإجابة عن سؤال في غاية البساطة هل يريدون اعتماد الحكمة أم لا؟ الخيار المطروح مرتبط بالتمييز بين الحكمة والتهور، خصوصاً أن الرئيس علي عبدالله صالح أكد بالفم الملآن أنه على استعداد للتخلي عن السلطة ونقلها الى laquo;ايد آمنةraquo; بما يحفظ الشرعية ويحافظ على المؤسسات اليمنية، على رأسها مؤسسة الدستور. أكثر من ذلك، ذهب إلى تأكيد أن لا توريث في اليمن. وهذا يعني أنه ليس مستعداً لفرض نجله العميد أحمد رئيساً كما أنه ليس قادراً على ذلك. هناك وعي لدى علي عبدالله صالح لخطورة الوضع وتعقيداته، فضلاً عن اعترافه بأن المعطيات تغيّرت وأن عليه التعاطي معها بواقعية. لذلك ذهب بعيداً في اعطاء ضمانات بأنه لا يريد البقاء في الرئاسة وأنه، في حال حصلت أخطاء في مرحلة ما، فهو على استعداد لإصلاح ما يمكن إصلاحه. ما الذي يمنع اليمنيين من التريث والدخول في مرحلة الإعداد لانتخابات نيابية ورئاسية في غضون بضعة أشهر، على أن تجري هذه الانتخابات تحت إشراف هيئة محايدة موثوق بها تتفق عليها الأطراف المتنافسة في تلك الانتخابات؟
في استطاعة اليمنيين الاستفادة من واقع يتمثل في أن علي عبدالله صالح رجل مرن في غنى عن الدخول في أي مواجهة تؤدي إلى سفك الدماء. بالطبع، ليس في الإمكان الدفاع عن الأحداث الدامية التي شهدتها صنعاء في الثامن عشر من مارس الجاري، وهي أحداث أقلّ ما يمكن أن توصف به بأنها مخزية. كذلك لا يمكن تبرير هذه الأحداث التي سقط فيها اثنان وخمسون يمنياً كانوا معتصمين في ساحة قرب جامعة صنعاء. على العكس من ذلك، لا بدّ من يوم تشكل فيه لجنة تحقيق محايدة لتحديد المسؤولية عن تلك المجزرة التي تعطي فكرة عما يمكن أن تذهب إليه الأحوال في اليمن في حال غابت الحكمة.
نعم، حصلت مجزرة. وما حصل عمل مدان بكل المقاييس والاعراف. لكن ذلك يجب ألا يحول دون ابقاء أبواب الحوار مفتوحة بحثاً عن مخرج يحافظ على السلم الأهلي ويضع اليمن على طريق التداول السلمي للسلطة بديلاً من الحروب الأهلية التي ليس معروفاً كيف يمكن أن تنتهي.
ما دام الرئيس اليمني أعطى كل الضمانات التي تؤمن الانتقال السلمي للسلطة، لماذا كل هذا الإصرار على حشر علي عبدالله صالح في زاوية والتصرف معه بطريقة توحي بأنه خسر كل أوراقه؟ خسر الرئيس اليمني الكثير ولكن ليس في الإمكان تجاهل وجود قسم من الشعب اليمني ما زال يؤيده. الدليل على ذلك التظاهرة الحاشدة التي شهدتها صنعاء في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
باختصار، لا يمكن تشبيه اليمن بأي بلد آخر. أين يوجد بلد يتمرد فيه قائد عسكري كبير مثل اللواء علي محسن الأحمر على رئيس البلاد، فإذا بالرئيس يجتمع به في منزل نائب رئيس الجمهورية ويبحث معه ومع آخرين في المخارج من الأزمة الراهنة؟
لا وجود لأسود وأبيض في اليمن. ميزة علي عبدالله صالح أنه على استعداد لابقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الجميع، حتى مع ألدّ أعدائه. هذا ما فعله في الأشهر التي سبقت حرب العام 1994 مع قادة laquo;الحزب الاشتراكيraquo; الذين كانوا ينادون بالانفصال. مرة أخرى، لا بدّ من الاعتراف بأنه خسر الكثير. خسر خصوصاً تأييد قسم لا بأس به من القبائل الكبيرة ودعمها، على رأسها بكيل وحاشد وخسر كثيراً في المحافظات الجنوبية والوسطى وخسر دعم علي محسن الأحمر، علماً أن الأخير لا يمثل الثقل الأكبر في القوات المسلحة، خصوصاً أن الحرب الطويلة مع الحوثيين استنزفت فرقته. في غضون ذلك كان هناك تعزيز لقدرات قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي في إمرة نجله الأكبر، أي في إمرة علي عبدالله صالح. لا تزال القوات العسكرية الموالية للرئيس قادرة على الدفاع عن صنعاء لفترة طويلة.
هناك توازن للقوى في اليمن يسمح بإيجاد مخرج مشرف للجميع يحول دون حروب أهلية لا تخدم أي طرف أكان في السلطة أو المعارضة. يبدو أن اليمنيين يعون ذلك. إنهم يعون خطورة ما يمكن أن يترتب على اللجوء إلى السلاح واهمية البحث عن صيغة تحفظ ماء الوجه للجميع وتساعد في تعزيز الاستقرار الاقليمي. ما لا يمكن تجاهله في اي لحظة أن أي تدهور أمني في اليمن ستكون له انعكاساته على كل دول الخليج. لهذه الدول مصلحة مباشرة في تفادي أي تدهور في اليمن المرشح لأن يكون قاعدة أساسية لـ laquo;القاعدةraquo; في حال إصرار أي فريق فيه على الحسم عسكرياً...
كل ما يمكن قوله أن أي تسوية في اليمن ستكون أقلّ كلفة على البلد عموماً وعلى اليمنيين على وجه التحديد. أي صدام، من أي نوع كان سيكون مكلفاً على المنطقة وعلى دول الجوار. هل لا يزال مكان للحكمة في اليمن؟