عبدالحميد الأنصاري


دعا الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية في مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية البريطاني بعد مؤتمر لندن الخاص بليبيا، إلى مشاركة عربية أكبر في العمليات في ليبيا مشيراً إلى أن قضية ليبيا من مسؤولية العرب أيضاً، وموضحاً: 'أننا لا نحاول دفع الآخرين للمشاركة، لكن لنا معتقداتنا بأن نشارك من اليوم الأول- تنفيذاً لقرارات مجلس التعاون والجامعة ومجلس الأمن- وإذا كان المجتمع الدولي لم يسمح للقذافي بأن يقتل شعبه فمن العار أن نقف على الجانب ونقول ليس لنا دعوة، فهذه مشكلة عربية؛ لذا يجب أن تكون مشاركة العرب فيها أكثر جدية'.

تأتي هذه الدعوة في أعقاب مطالبة سابقة للشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات بعد مباحثاته في أنقرة، إذ دعا إلى تعزيز المشاركة الإقليمية في جهود الائتلاف الدولي '28 دولة'، والمعروف أن دولتين عربيتين تساهمان في تنفيذ الحظر الجوي وحماية المدنيين طبقاً لقرار مجلس الأمن 1973 وهما: قطر التي تساهم بتقديم المساعدات الإنسانية والمساهمة العسكرية في تأمين منطقة حظر الطيران إضافة إلى الدعم السياسي القوي، كما أن قطر أول دولة عربية تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الليبي، وستنطلق من الدوحة قناة تلفزيونية تعبر عن لسان ثوار ليبيا.

والدولة الأخرى هي دولة الإمارات التي تدعم بالمساعدات الإنسانية وبالمشاركة العسكرية عبر 12 طائرة مقاتلة في تنفيذ الحظر الجوي، وماعدا هاتان المساهمتان العربيتان فإن مساهمات بقية الدول العربية في الجهد العسكري والدعم السياسي لا يكاد يذكر، بل إن دولا عربية مثل سورية والجزائر عارضتا قرار جامعة الدول العربية بالطلب من مجلس الأمن الدولي تحمل مسؤولياته بفرض حظر جوي لحماية المدنيين، هذا الموقف المخزي من هاتين الدولتين وهذا التقاعس العربي العام لا يمكن تبريره مطلقاً!

والأعجب هو موقف الدولتين اللتين أشعلتا شرارة الثورة، تونس ومصر، فهما تلوذان بالصمت ولا تقومان بواجبهما تجاه الثوار في ليبيا، إن الحرية لا تتجزأ ومن ضحى في سبيلها فلا يضن بها على جاره، عجباً لرئيس وزراء مصر الذي لا يجد وقتاً لمساعدة الليبيين! وقد ادعى أنه يستمد شرعيته من الثوار في ميدان التحرير، ويبدأ أول تحرك دولي له بزيارة مطلوب للعدالة الدولية، وهو اليوم يبرر مدافعاً عن قانون تجريم الاحتجاجات!

لقد وصلت اللامبالاة العربية بأمر ليبيا إلى الحضور العربي في مؤتمر لندن المهم والمتعلق بمساعدة الشعب الليبي لإعادة بناء مستقبل جديد بعد تحررهم، بعون الله تعالى، من عبودية نظام القذافي، فكان هزيلاً، إذ اقتصر على سبع دول عربية هي: قطر والإمارات والأردن والكويت ولبنان والمغرب وتونس من أصل 40 دولة حرصت على الحضور، وجاءت من أطراف الأرض، ولم يكلف عمرو موسى الأمين العام للجامعة نفسه بالحضور فأرسل مندوباً عنه!

ومن العجيب أن يطالب العرب مجلس الأمن بأن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الليبي ويتهربوا هم من تحمل هذه المسؤوليات! إذا لم يكن هذا نفاقاً واستخفافاً وتهرباً فماذا يكون؟! هناك من يبرر هذا التقاعس العربي بالأوضاع الداخلية المضطربة وبانشغال هذه الدول بها، ولكن هذا لا يبرر عدم الحضور في مثل هذا المؤتمر المهم المعني بمستقبل ليبيا، ثم إذا كانت هذه الدول لا تستطيع تقديم يد العون للشعب الليبي فلا أقل من أن تعترف بالمجلس الانتقالي ممثلاً شرعياً، كما فعلت فرنسا وقطر، فإن من شأن هذا الاعتراف أن يمثل نوعاً من الضغط على هذا النظام القمعي ويعريه ويفككه ويدفع المزيد من أعوانه إلى الانشقاق عليه والفرار منه حتى يتآكل ويسقط كـ'أعجاز نخل خاوية'.

كيف يسكت العرب على نظام وحشي بلغ من الإجرام أن يقصف شعبه بالطائرات والبوارج والمدافع؟! وكيف يرضون بمقاعد المتفرجين، وهم يرون دول العالم من الشرق والغرب تتداعى لمساندة هذا الشعب الذي قرر أن يتحرر من أبشع نظام قمعي عرفه التاريخ الإنساني؟! وكيف يصمتون عن نظام عربد وأفسد ودمر طويلاً وأصبح وصمة عار في ساحتهم التي يجب عليهم أن يزيلوها؟! وكيف يتخاذلون عن نصرة شعب يعاني الويلات وقد استنجد بهم؟! وكيف يتعايشون مع عذابات الضمير، وهم يرون هذا النظام يرتكب مجازر وحشية ضد هذا الشعب الأعزل؟! وكيف يقفون مكتوفي الأيدي، وهم يرون نظام الطاغية يصب العذاب فوق شعبه فيقتل النساء والأطفال والمدنيين بلا رحمة؟! وكيف يهادنون ويسكتون على نظام يمارس الإبادة الجماعية وينتهك الحرمات ويهدر الكرامات ويرسل أذنابه لتصفية المعارضين في المنافي ويغتصب النساء- تعرضت إيمان العبيدي للاغتصاب الوحشي على يد ميليشيات القذافي؟!

إن التقاعس عن الجهاد لإنقاذ شعب مستضعف كالشعب الليبي لهو أمر يتنافى والقيم الأخلاقية والمسؤوليات الدينية والإنسانية والقومية، وإذا كنا ننتقد الموقف العربي بسبب هروبه من مسؤولياته تجاه حماية شعب من وحشية وضراوة نظامه فإن الدور التركي الذي انخدعنا به وكنا نظنه نصيراً للقضايا العربية قد بلغ غاية الخذلان! إن أردوغان رئيس وزراء تركيا يلعب دوراً مشيناً لمصلحة نظام القذافي، ويريد أن يبث الحياة في نظام فقد شرعيته بإجماع دولي، لا يكل ولا يمل من طرح مبادرات هدفها الأساسي مساندة نظام ارتكب جرائم إنسانية، وقرر مجلس الأمن بالإجماع فرض عقوبات قاسية عليه، وإحالة رموزه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

يتهم أردوغان فرنسا التي تقوم بدور محوري في حماية الشعب الليبي بالانتهازية وهوالانتهازي الأكبر! لماذا تلعب تركيا هذا الدور المخزي؟! لسببين: 1- مصالح اقتصادية ضيقة تتمثل في 200 شركة تركية تعمل في الجماهيرية، و30 ألف تركي هناك، وعقود استثمارية تقدر بـ15 مليار عقدتها تركيا مع القذافي! 2- تصفية حسابها مع فرنسا كونها العقبة الرئيسة أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فالموقف التركي المتخاذل والمفسد لم يكتف بالاعتراض على القرار الأممي 1973 بل لعب دوراً معرقلاً في منع دول التحالف من التوصل إلى اتفاق، وأثار شكوكاً عريضة بشأن دوافع التدخل الغربي وعارض تولي 'الناتو' قيادة العمليات، وأخراً اعترضت على تسليح الثوار.

إنها انتهازية رخيصة من أردوغان الذي لا يفتأ يحذر من عواقب التدخل، وإن ليبيا ستتحول إلى عراق جديد، لو كانت حكومة العدالة والتنمية صادقة في مواقفها في نصرة القضايا العربية لكانت متسقة في مواقفها مع كل قضايا العرب، إذ كيف نفسر صرامة الحكومة التركية مع النظامين المصري والتونسي ومهادنتها للنظام الإجرامي الليبي غير ممارسة لعبة ازدواجية المعايير بحسب المصالح التركية المبنية على نظرية العمق الاستراتيجي؟!

يتضاهر أردوغان بأنه حريص على الشعب الليبي في أن يحل قضاياه بنفسه دون تدخل خارجي! وهو قول ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، إذ كيف يستطيع هذا الشعب الأعزل حل قضاياه مع مثل هذا النظام الإجرامي؟! لقد تراجعت شعبية حزبه بنسبة 3.2% وأرجع الخبراء هذا التراجع إلى ارتباك السياسة الخارجية لأردوغان على صعيد التعامل مع متغيرات الشرق الأوسط بناءً على سياسة 'الأمر الواقع'، والاعتماد على تنفيذ قادة هذه الدول الإصلاحات في بلادهم، الأمر الذي جعلها لم تؤت ثمارها، لذلك يعجب الإنسان أمام هذه الشخصية التي تفتقد الاتساق في مواقفها الأخلاقية: كيف تمنحها جامعة أم القرى السعودية الدكتواره الفخرية 'لمواقفها السامية من قضايا الأمة العربية'؟!