نبيل عمرو
بدأت إسرائيل عملية إحماء مبكر، لفصل جديد من فصول معركة واسعة ضد الفلسطينيين في مرحلة ما قبل أيلول من العام الجاري، عنوان المعركة laquo;الرد على المواقف والسياسات الفلسطينية أحادية الجانب، بسياسات ومواقف إسرائيلية من ذات النوعraquo;.
ولقد بدأت المعركة، بتحذيرات وجهتها الدولة العبرية للدول ذات الصلة أي أميركا وأوروبا إضافة إلى دول وأطراف أخرى ممن لها تأثير في الشأن الدولي وامتداداته الشرق أوسطية. ويبدو جليا أن الحيثيات الإسرائيلية لهذه المعركة تبدو ضعيفة وغير منطقية، وربما تكون اقل تأثيرا من ذي قبل في أمر نقل الضغط الدولي من على كاهل إسرائيل إلى الفلسطينيين، وذلك لان دول العالم المؤثرة تجمع على أن إسرائيل وحدها من يقف في وجه إمكانيات الحل عبر التفاوض وبالتالي لا يبدو مقنعا والحالة هذه إن تعترض على أي جهد فلسطيني أحادي الجانب يستعين بالمجتمع الدولي لبلوغ حل سياسي متوازن لقضيتهم المجمدة والمتراجعة إلى الأسوأ.
فيما مضى كانت إسرائيل أكثر تأثيرا على الدول الأوروبية وأميركا، حين كانت تدعي تخلي الفلسطينيين عن عملية السلام واعتمادهم العنف عبر الانتفاضة المسلحة، أما الآن فلم تعد هذه الحجة موجودة بدليل أن الفلسطينيين يتحدثون عن خيارات مقبولة دوليا وهي إما تفاوض في جو صحي ووفق شروط أو موضوعية وإما عمل سياسي يخلو من العنف لجعل القضية حية ولدعم مبدأ الحل السياسي وتكريسه.
لقد اخفق العالم في دعم حل تفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وعلى رأسه أميركا التي اضطرت لاستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن ضد الفلسطينيين في مسألة لا جدال على أحقية الفلسطينيين فيها وهي حتمية تجميد الاستيطان. إن العالم هذا سيفقد مصداقيته حين يتخذ موقفا ممالئا لإسرائيل خاصة ان إسرائيل لا تطرح أكثر من تفاوض لأجل التفاوض، وما التفاوض إلا لكسب الوقت وتطوير استكمال الترتيبات الميدانية التي لن تترك للفلسطينيين مجالا عمليا لتأسيس دولة ولو بالحدود الدنيا للحيوية والسيادة والمصداقية.
لذا.. فان العالم الحائر في أمر السلام الشرق أوسطي، والذي يرى فرَصَه تتقلص إلى حدود غير مسبوقة، ويرى نفسه عاجزا على مدى عقود عن كبح جماح التعنت الإسرائيلي، سيحاول الإفادة من تخوفات إسرائيل المعلنة بشأن التوجه الفلسطيني للمجتمع الدولي، لعله وخلال الفترة المتبقية بين اليوم وأيلول القادم يجد صيغة معقولة لتحريك عملية السلام والتقدم ولو خطوات متواضعة على طريق الحل التفاوضي.
إذاً فان الفلسطينيين منطقيا وسياسيا سائرون في الطريق السليم، ولا مجال أمام المعنيين الإقليميين والدوليين إلا التعاطف معهم والامتناع عن نقل الضغط على إسرائيل إلى ضغط عليهم.
إلا أن هذا المنطق السليم والعادل، يمكن أن يكون ذا تأثير فعال وحاسم، لو أن من يحكم الوضع في الشرق الأوسط هو المنطق المجرد والحجج السليمة والطلبات العادلة، أما حين يكون المنطق السائد هو شيئا آخر فساعتئذ نذهب إلى دائرة الخيارات الأصعب.
إن المنطق الفلسطيني السليم والعادل ينقصه وضع ذاتي مساعد ومتماسك، ذلك أن الفلسطينيين ما زالوا يمتلكون بيتا هشا مليئا بالثغرات والثقوب، وأوسعها وأخطرها الانقسام المستفحل دون ظهور مؤشرات مقنعة بأنه قيد التصفية لمصلحة وحدة وطنية ناجزة ومستوفية الصحة والعافية وهذه الثغرة وحدها كفيلة بهز المنطق الفلسطيني السليم وإفقاد مردوداته الايجابية المفترضة إسرائيليا وإقليميا ودوليا
والى جانب هذه الثغرة المرعبة هنالك ما لا يقل خطرا عن الانقسام وهو هشاشة الحالة الفلسطينية الراهنة التي تعتمد بنسبة عالية على العلاقات التعاقدية مع إسرائيل في أمر الأمن والاقتصاد والإدارة، مع اعتماد كبير على الولايات المتحدة وأوروبا وسائر الدول المانحة ما يضع الخيارات الفلسطينية المستقلة موضع تأثر مباشر بمواقف هذه الدول وتقلب رؤاها السياسية. وفي غياب تبني جدي للموقف الفلسطيني دوليا، فان منطقية وسلامة اتجاه السياسة الفلسطينية ووفق تجربة سنوات طويلة من الوفاق التفاوضي أو الصراع السياسي والميداني في زمن اوسلو، فان احتمالات تحول ما هو منطقي في مصلحة الفلسطينيين إلى عكسه تظل واردة؛ إما نتيجة أخطاء فلسطينية تمنح إسرائيل مجال تحريض إضافي ضدهم وإما نتيجة التوافق الدولي على صيغة يرفضها الفلسطينيون وساعتها ينتقل الضغط باتجاههم.
إن الفلسطينيين أنفسهم وأصدقاءهم يخشون من هذا ويتخوفون من أخطائهم الظاهرة والكامنة وبالتالي فان تباطؤهم في سد الثغرات الواسعة في بنائهم وأدائهم وحالتهم سيسجل نقاطا لمصلحة إسرائيل وقد يريحها من أذى الضغوط الدولية.
إن الفترة المتبقية على سبتمبر ستشهد مناورات وضغوطا ربما تكون الأشد ثقلا منذ بدء عملية السلام قبل نحو عشرين سنة، وفي هذه الفترة فان المطلوب من الفلسطينيين أكثر بكثير من الموقف المنطقي السليم والعادل. ان المطلوب حقا هو السلوك المتقن وتوفير الاداة الحاذقة للافلات من الكمائن والتعامل مع المطبات والتعاريج الخطرة والمعقدة باساليب افضل بكثير مما رأينا وعرفنا. وقبل ذلك كله مطلوب منهم سد الثغرات الخطرة المستفحلة في بنائهم الذاتي، وأخطرها بالطبع ثغرة الانشقاق العميق.
1
التعليقات