LAURA KASINOF and DAVID E. SANGER - New York Times

لطالما تمتعت واشنطن بعلاقة حذرة مبنية على التبعية المتبادلة مع صالح، فقد وفرت له الولايات المتحدة الأسلحة، في حين سمح الرئيس اليمني للجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية باستهداف معاقل laquo;القاعدةraquo;، وقد أعطت الوثائق المسّربة عن وزارة الخارجية الأميركية والتي نُشرت على موقع الويكيليكس فكرة واضحة عن علاقة التبعية المتداخلة والمتوترة بين الطرفين.

ها هي الولايات المتحدة تبدّل مواقفها بهدوء الآن، بعد أن دعمت الرئيس اليمني لفترة طويلة حتى في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات الأخيرة، فقد استنتجت أنه لن يطبق على الأرجح الإصلاحات المطلوبة، وبالتالي لابد من رحيله من السلطة بطريقة سلسلة، بحسب ما قاله مسؤولون أميركيون ويمنيون. لقد استمرت إدارة أوباما بدعم الرئيس علي عبدالله صالح في المجالس الخاصة، وامتنعت عن انتقاده مباشرةً في المجالس العلنية، حتى عندما كان مناصروه يطلقون النار على المتظاهرين السلميين، لأنه كان يُعتبر حليفاً مهماً لها في المعركة ضد فرع 'القاعدة' المتمركز في اليمن، حيث أدى هذا الموقف إلى نشوء موجة انتقادات لاذعة بحق الولايات المتحدة من جانب بعض الأوساط التي اتهمتها بالنفاق بسبب إسراعها في الإطاحة بحاكم استبدادي في ليبيا مقابل الامتناع عن مس حكام دول استراتيجية حليفة مثل اليمن والبحرين. لكن ذلك الموقف بدأ يتبدل منذ الأسبوع الماضي، بحسب قول مسؤولين في الإدارة الأميركية. صحيح أن المسؤولين الأميركيين لم يمارسوا أي ضغط علني على صالح كي يرحل، إلا أنهم أخبروا حلفاءهم أن تمسكه بالسلطة لم يعد ممكناً بعد الآن وهم يرون ضرورة تنحيه.

قال أحد المسؤولين اليمنيين إن الموقف الأميركي تغير مع انطلاق المفاوضات مع صالح بشأن رحيله المحتمل منذ أسبوع تقريباً، واعتبر ذلك المسؤول عينه أن الأميركيين كانوا يضغطون من أجل تنفيذ مرحلة انتقال السلطة منذ بداية تلك المفاوضات، ولكنهم لم يفصحوا عن ذلك علناً لأنّهم ما زالوا يخوضون المفاوضات.

تتمحور تلك المفاوضات الآن على اقتراح يقضي بأن يسلم صالح السلطة إلى حكومة موقتة برئاسة نائب الرئيس حتى موعد الانتخابات الجديدة، وقال المسؤول اليمني إن ذلك المبدأ ليس موضع جدل، بل تتعلق المشكلة بتوقيت تنحّيه وآلية تطبيق ذلك. لكن تبقى هذه المسألة موضع جدل بين المحتجين الذين يتحركون بقيادة الطلاب، فقد رفض هؤلاء أي اقتراح من شأنه منح السلطة إلى مسؤول بارز في نظام صالح، فلطالما تمتعت واشنطن بعلاقة حذرة مبنية على التبعية المتبادلة مع صالح، فقد وفرت الولايات المتحدة الأسلحة، في حين سمح الرئيس اليمني للجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية باستهداف معاقل 'القاعدة'، وقد أعطت الوثائق المسّربة عن وزارة الخارجية الأميركية والتي نُشرت على موقع الويكيليكس فكرة واضحة عن علاقة التبعية المتداخلة والمتوترة بين الطرفين: فقد أخبر صالح الجنرال ديفيد باتريوس، الذي كان حينها قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة يمكن أن تتابع إطلاق الصواريخ ضد 'القاعدة' طالما يسود اعتقاد أن اليمن هو الذي تنفذ تلك العمليات. وفقاً للوثيقة التي أرسلها السفير الأميركي، قال صالح: 'سنتابع الادعاء بأن القنابل المستعملة لنا، وليست لكم'، لكن في أوقات أخرى، كان صالح يقاوم المطالب الأميركية. وفي تقييم ساخر أطلقه الرئيس اليمني عن الولايات المتحدة، أخبر رئيس قسم مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، دانيال بنجامين، أن الأميركيين هم 'ثائرون ولجوجون حين يحتاجون إلينا'، ولكنهم يصبحون 'باردين وأشبه بالبريطانيين حين نحتاج نحن إليهم'. بدأت المفاوضات في صنعاء بعد أن أقدم مسلحون مرتبطون بالنظام على قتل أكثر من 50 محتجاً خلال مسيرة حاشدة ضد السلطة في 18 مارس، ما أدى إلى وقوع سلسلة من الانشقاقات من جانب كبار المسؤولين في النظام خلال الأسبوع الذي تلا تلك الأحداث. يُذكَر أن المسؤولين الأميركيين واليمنيين الذين تناقشوا بتلك المسائل فعلوا ذلك شرط عدم الإفصاح عن هويّاتهم لأن المحادثات تتخذ طابعاً خاصاً ولا تزال جارية حتى الآن.

لم يتضح بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة تناقش احتمال ترحيل صالح وعائلته إلى بلد آخر بطريقة آمنة، لكن يبدو أن المحادثات في العاصمة صنعاء تصب في هذا الاتجاه. بالنسبة إلى واشنطن، تتمثل الخطوة الرئيسة لرحيله بتنظيم طريقة فاعلة لانتقال السلطة من شأنها ضمان استمرار عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن. في الأسبوع الماضي، أشار أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية إلى هذه المسألة، معتبراً أن المواجهة بين الرئيس والمحتجين 'كان لها أثر عكسي مباشر على الوضع الأمني في أنحاء البلد'. وتابع المسؤول قائلاً: 'تستغل بعض الجماعات من الفئات المختلفة- 'القاعدة'، والحوثيون، وأعضاء القبائل، والانفصاليون- الاضطرابات السياسية الراهنة والانشقاقات المتنامية داخل الجيش والأجهزة الأمنية، لمصالحها الخاصة، لذا قد يشهد الوضع الأمني في اليمن تدهوراً إضافياً إلى أن يتمكن الرئيس صالح من حلّ المأزق السياسي الراهن عبر إعلان الطريقة والوقت الذي سينفذ فيه وعده السابق باتخاذ خطوات ملموسة لتلبية مطالب المعارضة'. في الأيام الأخيرة، ألمح المسؤولون الأميركيون في واشنطن إلى حصول تبدل في الموقف الأميركي، فقد قال مسؤول آخر إن تلك 'الخطوات الملموسة' قد تشمل الرضوخ لمطلب تنحي الرئيس. خلال اجتماع لوزارة الخارجية الأميركية في الآونة الأخيرة، سُئل مارك تونر، متحدث باسم الوزارة، عما إذا كانوا يخططون لتأسيس دولة اليمن ما بعد حقبة صالح، فلم يُجب عن السؤال مباشرةً، ولكنه اعتبر أن مكافحة الإرهاب في اليمن 'لا ترتبط بفرد واحد'.

فضلاً عن المظاهرات الشعبية الضخمة التي اجتاحت البلاد خلال الشهرين الأخيرين، ترافق تدهور الوضع الأمني في اليمن مع نشوء حركة تمرد الحوثيين في الشمال، وحركة انفصالية في الجنوب، فضلاً عن عمليات ناشطة تقودها 'القاعدة' في الجنوب الشرقي، فقد سيطر المتمردون الحوثيون على محافظة صعده منذ أسبوع، واستولى المقاتلون المسلّحون على مدينة في محافظة أبين الجنوبية، حيث أنشأت 'القاعدة' مركزاً لها كما هو معروف. يسود شعور بين اليمنيين بحصول سباق مع الوقت من أجل حل الأزمة السياسية قبل انفجار الوضع في البلاد، بالإضافة إلى المخاوف الأمنية، يواجه اليمن أزمة اقتصادية أيضاً.

ترتفع أسعار الغذاء بشكل ملحوظ بينما تشهد قيمة الريال اليمني تراجعاً هائلاً، وبدأت الدولارات تختفي من متاجر صرف العملات، فوفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، ارتفع سعر طحين القمح بنسبة 45% وسعر الرز بنسبة 22% منذ منتصف شهر مارس.

كذلك، عبّر المحللون عن قلقهم من أن يستنزف صالح الاحتياطي الوطني من أجل تمويل الخطط التي تسمح له بتنفيذ وعوده، وذلك لضمان البقاء في السلطة. لقد دفع صالح الأموال لآلاف المناصرين كي يأتوا إلى العاصمة من أجل إطلاق تظاهرات موالية للنظام، وعمد أيضاً إلى توزيع الأموال على زعماء القبائل لضمان ولائهم له. في شهر فبراير، تعهّد بتخفيض الضرائب وزيادة رواتب العاملين في الخدمة المدنية والجيش للحدّ من استيائهم.

في هذا السياق، قال محمد أبولحوم، أحد أبرز النواب في حزب صالح الحاكم، ولكنه أصبح الآن يدعم المحتجّين: 'ما يحصل ليس ركوداً ولا كساداً، بل فوضى بمعنى الكلمة'. وتابع قائلاً: 'يشير التزام الأميركيين الجدّي بمناقشة كيفية انتقال السلطة إلى مدى تصميمهم على إيجاد حلّ لتسليم السلطة بفاعلية'، وأضاف أنّ الأميركيين 'يقومون بما يجب فعله، ولكننا سنشهد تنامي الضغوط في غضون ذلك'. كانت الانتقادات الموجّهة ضد الولايات المتحدة بسبب امتناعها عن دعم المحتجين اليمنيين علناً أكثر وقعاً في اليمن، حيث أصر المحتجون على أن مكافحة الإرهاب هي الهم الأول الذي يشغل بال الولايات المتحدة.

وقالت توكل كرمان، زعيمة حركة الشباب المعادية للنظام: 'نحن نشعر بغضب شديد لأن الولايات المتحدة لم تساعدنا حتى الآن كما فعلت حين أعلن أوباما ضرورة تنحي مبارك. قال أوباما إنه يقدر شجاعة وكرامة الشعب التونسي، ولكنه لم يقل الأمر نفسه عن الشعب اليمني... نشعر بأننا تعرضنا للخيانة'. يوافقها الرأي حمزة الكمالي، 23 عاماً، وهو قائد بارز للحركة الطلابية، فهو قال: 'لقد فقد الطلاب ثقتهم بالولايات المتحدة. اعتقدنا أن الولايات المتحدة ستساعدنا منذ البداية لأننا نطالب بحريتنا'. عشية يوم السبت، اقترح تحالف المعارضة اليمنية، أي تكتل أحزاب اللقاء المشترك، خطة لانتقال السلطة الذي أصبح المحور الجديد للمحادثات. يدعو هذا الاقتراح إلى تسليم السلطة فوراً إلى نائب الرئيس عبدالرب منصور الهادي حتى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية... لكن المحتجين الشباب رفضوا ذلك الاقتراح أو أي عرض آخر يقضي بأن يتولى السلطة أي مسؤول تابع لصالح. يوم الأحد الماضي، أعرب مجلس التعاون الخليجي عن دعمه لتلك المحادثات، فأصدر بياناً يؤكد فيه أنه سيضغط على النظام اليمني والمعارضة للتوصل إلى اتفاق بهدف 'التغلب على المأزق الراهن'، ودعا المجلس إلى استئناف المفاوضات من أجل 'تحقيق طموحات الشعب اليمني عبر تطبيق الإصلاحات'.

بحسب قول المسؤولين اليمنيين، لم يشارك المجلس، بما في ذلك أكبر دولة مانحة لليمن، أي المملكة العربية السعودية، في المفاوضات حتى الآن.

وحصلت اشتباكات أخرى بين قوى الأمن والمحتجين قبل أيام في مدينة تعز، ونتيجةً لذلك، جُرح مئات الأشخاص بسبب الغاز المسيل للدموع والحجارة والرصاص، وتضاربت المعلومات حول مقتل أحد المحتجين، كذلك، يقول شهود العيان إن قوى الأمن أطلقت النار على المحتجين وفي الهواء.

يوم الاثنين، عمدت قوى الأمن في مدينة الحُديدة التي تقع غرب الميناء إلى استعمال الغاز المسيّل للدموع من أجل تفريق حشود المحتجين أمام القصر الرئاسي هناك.

تقول منظمة العفو الدولية إن 95 شخصاً على الأقل قُتلوا خلال شهرَي الاحتجاجات المعادية للنظام.

* لورا كاسينوف غطّت الأحداث من صنعاء، اليمن، وديفيد سانغر من واشنطن