شريف قنديل

لا أحد يدري مَن هو العبقري الذي يكتب خطب الوداع للرئيس المخلوع حسني مبارك؟ لقد تسببت خطبتا ما قبل الرحيل عن السلطة، ليس في التعجيل بمغادرته فقط، وإنما بتعرّضه لمهانة لم يكن أحد يتصوّرها.
وبالأمس عاد العبقريُّ الملهم ليكتب له خطبة أخرى، كان لها مفعول السحر في مزيد من تعريض الرجل للسخرية والاهانة.
لقد تحدّث مبارك بالأمس كرئيس شركة مصرية للدخان، أو للغزل والنسيج، أو غيرها من تلك الشركات التي خسرت كثيرًا في عهده، وليس كرئيس لمصر.. فالميزانية مضبوطة، والحسابات مقفلة، وكله باللهجة المصرية (على ميه بيضه). ونسي العبقريُّ الذي يكتبُ له أنه حين كان الرئيس (رئيس الدولة السابق) يتحدّث عن نظافة اليد، وطهارة الجيب، كان رئيس وزرائه يدخل سجن طرة؛ ليلحق بركب الفساد الطويل، الذي ضم -ويضم- كل يوم رؤساء حكومات، ورؤساء مجالس، ووزراء سابقين. كما نسي عبقريُّ زمانه أن الحسابات الجارية يمكن أن تُغلق في البنوك، لكنها تظل مفتوحة في مجالات أخرى تتعلّق بحقوق الإنسان.
هذه واحدة، والأخرى أن (الراجل الذي يكتب له) على طريقة (الراجل الواقف خلف عمر سليمان)، و(الراجل أبو جلابية) في مباراة الزمالك، أراد -بلا شك- إحداث وقيعة بين شعب بأكمله، وبين جيش عظيم، وأركان مجلس أعلى للقوات المسلحة مازال يحظى بحب المصريين. كما أراد عبقريُّ زمانه إحداث ثغرة كبرى في النيابة المصرية، التي صبرت طويلاً على الرجل، وبعض رجاله قبل أن تزجَّ بغالبيتهم إلى السجن.
لقد آذوه وهو في عز مجده، ونشاطه. وآذوه وهو في عز أزمته ونكسته. وها هم يؤذونه، ويقطّعونه، وينهشون في لحمه، ويلعبون بصوته على حبال الود القديم الذي انقطع مع الشعب منذ نحو عشر سنين.