أحمد جمعة

لعب العراق طوال تاريخه دوراً عربياً وقومياً بصرف النظر عن الموقف الاخير له بغزو الكويت، لقد كانت تلك الغلطة التي ارتكبها صدام حسين ودفع النظام ثمنها وانتهي، لكن ذلك لا يلغي اليوم ما كان يقوم به العراق طوال تاريخه العريق من دعم ومناصرة للقضايا العربية وخاصة المتعلقة بمنطقة الخليج العربي التي كانت تستدعي حضوره القوي الدائم في الساحة، ومثلما كان العراق يلعب هذا الدور كانت المواقف التي يتبناها ترتكز على دوره التاريخي منذ العقود السحيقة من الازمان حيث كان عربي اللسان واللغة والشعر والرواية والجدير به اليوم ان يكون هو ذاته العراق الذي كنا نعتبره البوابة الشرقية للعرب وحامي هذه البوابة لولا خطأ صدام حسين بغزوه للكويت والذي كنا وقتها وقفنا وقفة واحدة وحاسمة مع اشقائنا في الكويت حتى انتهت تلك الأزمة واليوم ينطرح السؤال التالي:
هل اختطف العراق من عروبته ومن خليجه العربي؟
من يتابع مواقف العراق بعد الكارثة الامريكية التي لحقت به ومن يتأمل اليوم الدور الذي يلعبه العراق سيجد انه دور أفرغ من محتواه تماماً وكلية ولم يعد له من أثر، بل على العكس من ذلك كله صار يلعب دوراً يشبه دور الطابور الخامس على الصعيد العربي، فمثلما هنا طوابير خامسة في كل ساحة محلية هناك طوابير على مستوى الدول والعراق اليوم هو الطابور الخامس في العالم العربي، ومن هنا لا يمكن بعد التأويل ولا الاعتماد على العراق طالما التحق بالمركب الايراني واصبح فارسي الهوى، وهذا ليس بقولي وانما هو قناعة الملايين من الشعب العراقي الذين تربوا وعاشوا وتشربوا القومية والعروبة ورغم ان هذه القومية وهذه العروبة لحق بها الكثير من الافتراء ورغم هبوط اسهمها في العقود الاخيرة الا انها كانت افضل ألف مرة من الوضع الحالي في العراق الذي جعل من هذه الدولة العربية العملاقة التي احتضنت حضارات السومريين والبابليين والاشوريين والحضارات الحديثة المعاصرة تصبح اليوم دولة ملحق بدولة الفرس.. هذا ما يحز في النفس.
اليوم العراق القومي، العراق العلماني والليبرالي والاسلامي العربي الذي كان يتحرك طوال تاريخه الحديث في محيطه العربي ويؤثر ويتأثر بكل القضايا العربية وكانت مساهماته في الدعم المساندة لكافة القضايا العربية والخليجية صار هذا العراق شوكة في الخاصرة العربية ولا نلوم اخواننا العرب في العراق اولئك الذين يمثلون النسيج العربي والتاريخي للنضال العربي بسلبياته وايجابياته لا نلومهم ان ضاقت بهم السبل والتحقوا بالنضال والثورة لاستعادة عراقهم التاريخي العربي الخليجي الذي سرقته منهم قوات حلف الاطلسي الناتو وسلمته للبؤر الايرانية التي تتحكم فيه اليوم واخرجته من محيطه العربي وجعلته مطية للسياسة الايرانية.
لقد ارتكبت الولايات المتحدة جريمة كبرى ولن تنساها الشعوب العربية ولن ينساها الشعب العراقي بإلحاق العراق ولاية من الولايات الايرانية، هذا الصرح العربي الشامخ في السماء العربية تصوروا ينهار ويصل الى هذا المستوى الذي عليه اليوم، للأسف لم نكن نسمع الاخوة العرب في العراق ولم نصدق صرختهم وهم يئنوا من الحزن والالم والعراق ينهب منهم ويسلم للفرس وها نحن اليوم جميعنا ندفع ثمن هذا الاختطاف الذي حدث لبلاد الرافدين.
لماذا هذه السطور اليوم والتي تبدو متأخرة كل هذه السنوات؟
لأن الوضع لم يعد يحتمل ولأن المشهد بلغ ذروته ونحن نرى الأيادي الايرانية تبلغ ذروتها في العراق ونرى كيف تستخدم وتوظف العراق وثرواته وخيراته لخدمة المغامرة الايرانية، هذا ما فتح عيوننا وايقظنا من سبات السنوات التي مرت وكانت حقاً سنوات الجمر التي عاشها الشعب العراقي الشقيق وهو تحت الرحى الامريكية ولم نظن الوضع كان بهذه الشدة، انا شخصياً لم أكن اصدق صرخة اخواننا العرب من ابناء الشعب العراقي الذين كانوا يئنون من المفرمة الامريكية التي أعادت عجن العراق وسلمته هدية لطهران وكأن بنا التاريخ يعيد صياغة سخريته بهذه الصورة بعدما كان العراق بوابة العرب الشرقية.