مصطفى زين

قرار الجامعة العربية فرض حظر جوي على ليبيا أتاح فرصة نادرة لمجلس الأمن وللحلف الأطلسي. فرصة استخدمها الطرفان غطاء سياسياً وأخلاقياً لقصف طرابلس والمناطق التي يسيطر عليها القذافي. لم يعد باستطاعة أحد، عدا مناصري laquo;الزعيمraquo;، القول إن الغرب يهاجم العرب أو ينتقم من المسلمين، أو أنه عاد إلى عنصريته وأطماعه الاستعمارية.
لكن القرار، بعيداً عن أبعاده العسكرية وعن مدى التطابق بين laquo;المجتمع الدوليraquo; ودول الجامعة (كل دولة على حدة) يشكل مؤشراً قوياً إلى تشكل نظام عربي جديد، بعد فشل القديم في اتخاذ قرارات بهذا الحجم. نظام يتكون من ترددات laquo;الربيع العربيraquo;، تشارك في وضعه مصر الجديدة، انطلاقاً من دورها في أحداث ليبيا، وبدعم مما أفرزه ميدان التحرير المطالب بعودة القاهرة إلى دورها العربي.
من ملامح هذا النظام الجديد أيضاً التحول في موقف الدول الخليجية. للمرة الأولى تفعِّل هذه الدول اتفاقاتها داخل منظومة مجلس التعاون، وتقرر التدخل لحماية النظام في البحرين. ولا بد أن يكون لهذه السابقة دور كبير في تشكيل توجه عربي مختلف، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار قرار الكتلة الخليجية التصدي للنفوذ الإيراني، بكل الوسائل المتاحة، فضلاً عن شكها في الدور التركي في ظل حزب laquo;العدالة والتنميةraquo;، وسعي أنقرة إلى إقامة نظام إقليمي عماده طهران ودمشق.
لكل من الدولتين الإقليميتين غير العربيتين مشروعها القومي الإستراتيجي المبني على أسس دينية (اقرأ المذهبية) في المنطقة. تركيا تعود إلى إرثها الديني المطعم بقومية أتاتورك وعلمانيته التي فرضها وحماها العسكر، ساعية إلى أن تكون نموذجاً للدولة الإسلامية الحديثة، وهي تحظى بتأييد أمريكي وأطلسي. وإيران تسعى إلى أن تكون نموذجاً للدولة الإسلامية بكل ما تعنيه الكلمة، معتبرة ما أسسه الخميني ثورة داخل الإسلام لا يعرقلها سوى الغرب والدول الدائرة في فلكه.
الطرفان، التركي والإيراني، اتخذا المسألة الفلسطينية منطلقاً للتأثير في العالم العربي، ونجحا إلى حدود كبيرة في كسب رأي عام تشكل هذه المسألة جزءاً كبيراً من وجدانه الجمعي ووعيه القومي. وذهبت طهران أبعد من أنقرة في عدائها لإسرائيل فدعمت المقاومة في لبنان وفي غزة ولم تترك مناسبة لاستخدام موقعها المؤثر إلا واستغلتها من أجل الطعن في السياسات الأمريكية والغربية المنحازة إلى الدولة العبرية. أي أنها كانت وما زالت على تضاد مع النظام العربي الساعي إلى السلام مع الدولة اليهودية، من دون أن يحرز أي تقدم.
النظام العربي القديم أفرزته مفاعيل المسألة الفلسطينية التي كانت العنوان الدائم على جدول أعمال الجامعة والقمم، عندما كانت إيران الشاه وتركيا العسكر يشكلان مع إسرائيل جبهة واحدة في التصدي لأي توجه قومي. الآن، وسط التحولات الكبرى التي شهدتها وتشهدها المنطقة، وبسبب التصدي لإيران والشك في التوجهات التركية، وقبل كل ذلك التخلي عن أي laquo;حلمraquo; بالتصدي لإسرائيل، لا بد أن يتشكل نظام عربي قائم على أساس هذه المعطيات. نظام قادم مع مصر انطلاقاً من ليبيا، ومع مجلس التعاون الخليجي قادم من التحرك في البحرين. ولن نفاجأ إذا كان أضعف من سابقه، خصوصاً أن سورية ما زالت مصرة على موقفها القديم والتحرك الشعبي فيها ما زال في بداياته. وهوية العراق laquo;متعددةraquo;، والمسألة الفلسطينية تتنازعها السلطة في رام الله وraquo;حماسraquo; في غزة.
إرهاصات النظام العربي الجديد ما زالت في بداياتها. لكن الأكيد أن المسألة الفلسطينية لم تعد العامل الأساس في تشكله.