تل ابيب

الاضطرابات في سورية تفترس علبة أوراق لعب تحالف محور الشر: فالتحالفات القديمة تنتقض عُراها، ومن كانوا حلفاء في الأمس فقط يصبحون اليوم أعداءً لدودين. في نهاية الاسبوع الاخير وحده قُتل عشرات من مواطني سورية ولا تُرى في الأفق نهاية المواجهات التي تصبح بالتدريج ذات صبغة دينية وعرقية.
نشبت المظاهرات في سورية كما في بلدان عربية اخرى بسبب الوضع الاقتصادي المضعضع في الدولة، وتحولت بالتدريج الى احتجاج عام على القمع السياسي المتواصل. منذ نهاية الاسبوع الاخير أصبحت المواجهات تدور حول أشد الموضوعات حساسية في العالم الاسلامي وهو حرب أهل السنّة للشيعة. الحديث عن بطن النظام السوري اللين.
إن العلويين وهم الأقلية المؤلفة منهم أكثر القيادة العليا الحاكمة لسورية، هم فصيلة انشقت عن الشيعة لكنها لم تحظ قط بشرعية كاملة في العالم الاسلامي ولا حتى بعد أن أعلن الامام الشيعي موسى الصدر في بداية السبعينيات بأنهم شيعة.
إن حافظ الاسد على مدى سنين بنى في تلطف اسلوب قومية سورية غطت على الشقاق الطائفي العميق في الدولة. في سنة 2000 مات الاسد الأب ومنذ ذلك الحين حلت محل الوعد الذي كان مجسدا في ابنه خيبة أمل مرة. وأصبحت النتيجة تمردا مكشوفا للأكثرية السنية في سورية على الحلف العلوي الشيعي الذي يحكم الدولة.
كان أهل السنة قادرين على قبول تحول سورية تحت حكم بشار الاسد الى تابعة لايران لولا مسار تحويل الديانة المنظم الذي قوي في الدولة. ففي السنين الاخيرة حول غير قليل من أهل السنة ديانتهم الى التشيع بحسب المذهب الايراني (الاثني عشرية التي تؤمن بوجود اثني عشر إماما ورثوا محمد)؛ بل انه نشبت في قرى كثيرة شجارات جماعية بسبب اختلافات بين الشيعة وأهل السنة حول شكل صلوات يوم الجمعة.
وفي المدة الاخيرة دخل المواجهة الدينية في سورية ايضا الواعظ الاسلامي الأهم في العالم، الشيخ يوسف القرضاوي. أيد القرضاوي لسنين كل عنصر واجه اسرائيل وفي ضمن ذلك حزب الله وحسن نصر الله الشيعيان. ومع ذلك، وحتى في ايام حرب لبنان الثانية عندما صُور نصر الله بأنه بطل العالم العربي، بيّن القرضاوي في لقاء مع اتحاد الصحافيين المصري أن تبديل أهل السنة اعتقادهم الى التشيع خط احمر في نظره.
قال القرضاوي في خطبة يوم الجمعة الاخير في قطر إن 'نظاما يقتل مواطنيه لا يستحق الحكم'. وفي رد على ذلك أعلنت بثينة شعبان، متحدثة الاسد، أن القرضاوي يثير نزاعا داخليا في سورية بين السنيين والعلويين. كذلك أُرسل خالد مشعل، قائد حماس الذي حظي بتأييد من القرضاوي سنين طويلة، لمهاجمة الداعية الشيخ، وحكم بأن كلامه يخدم اسرائيل. أوضح مشعل الذي عرّف القرضاوي في الماضي بأنه 'سلطة حماس الروحية'، أوضح بذلك ان التزامه الحقيقي هو لمحور دمشق طهران.
إن كلام القرضاوي ضربة شديدة لشرعية بشار الاسد الذي ظن أن نضال اسرائيل سيمنحه يدا حرة في قمع المظاهرات في بلاده، بل إن الاسد في بداية موجة المظاهرات في العالم العربي تبجح علنا بأنه لا توجد مظاهرات في بلاده بسبب تأييد الفلسطينيين. وتبين خطؤه سريعا جدا. إن اسرائيل التي كانت الذريعة الوحيدة للطغاة العرب لقمع شعوبهم لم تعد كافية لتعزيز سلطتهم. عندما يصبح الصراع حربا بين المذهبين المركزيين في الاسلام أهل السنة والشيعة فانه حتى عداوة الصهاينة تُدفع الى الزاوية.