خضير بوقايلة


أبدأ بنداء عاجل إلى كل من يملك قناة اتصال مباشرة مع سيادة الرئيس بشار الأسد، من يحمل مثلا رقم هاتفه الخلوي الذي يرد عليه هو شخصيا أو عنوان بريده الإلكتروني الخاص الذي لا يطلع عليه أحد غيره ولا حتى أقرب المقربين منه أو إذا كان هناك من المواطنين السوريين العاديين من يلتقي به بصفة دورية ومن دون بروتوكولات ولا مواعيد ولا كاميرات ولا نقاط تفتيش يمر عبرها قبل الوصول إليه. هل يمكن أن نجد شخصا رجلا أو امرأة يمكن أن يجالس سيادته؟ هو يتحدث والرئيس يصغي، لكن بلاش السيدة بثينة شعبان رجاء!
أنا في الحقيقة أريد أن أبلغ سيادة الأسد رسالة لكني أريد أن أتأكد من استلامه لها شخصيا. لا أريد أن أوصل له ذلك عبر مقالي في صحيفة القدس العربي ولا عبر رسالة مفتوحة تنشر في صحيفة تشرين أو إحدى شقيقاتها ولا حتى عبر التلفزيون السوري أو أي تلفزيون عربي أو عالمي آخر ولا أريد استعمال الفايسبوك أو التويتر أو غيرهما من وسائط التواصل الاجتماعي. تسألون لماذا كل هذه الشروط التعجيزية وما هي أهمية هذا الرسالة؟
وأنا أقول أولا إن رسالتي ليست شخصية ولا تتعلق بطلب خاص مني إلى سيادته إلا أنني مصر على أن تصل إلى مسامع السيد الرئيس، لكن رجاء أيضا لا تقولوا لي انشرها في أي مكان وستصل إليه لا محالة، فللرئيس آذان ملتصقة في كل ملمتر من جدران سورية وأعين تراقب كل شبر من التراب السوري.
أنا أيضا كنت أعتقد أن هذا الكلام صحيح وأن السيد الرئيس مطلع على كل شاردة وواردة تخص البلد وأبناء البلد في الداخل أو الخارج، إلى أن اندلع فتيل الأحداث الأخيرة وتحولت سورية إلى بؤرة توتر وصارت محل حديث العام والخاص في سورية والعالم أجمع، حينها تأكدت كم هو صعب إبلاغ أي خبر أو رسالة إلى الدكتور الأسد. لا يمكن أن أتهم سيادته بأنه لا يعرف القراءة أو أنه لا يسمع لأن مشواره التعليمي الذي نعرفه عنه يكذب أي ادعاء في هذا الاتجاه، لذا تفطنت في غمرة هذه الأحداث المخزية والمؤسفة التي يشهدها الوطن أن الرئيس غير مطلع على ما يجري حوله أو تحت قدميه، ربما يعود ذلك إلى عدم رغبته في الاطلاع على الصحف والفضائيات أو أن انشغاله بقيادة البلد لا تسمح له بذلك أو ربما لأن هناك جهات ما تضع حاجزا بينه وبين العالم الخارجي من حوله. لست أهذي ولست أتحامل على أحد، بل هي النتيجة التي توصلت إليها وأنا أراقب المشهد السوري منذ اندلاع نار الانتفاضة الشعبية في البلد، راودتني أولى الشكوك وأنا أتابع باهتمام وغيظ ذلكم الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس أمام مجلس الشعب قبل أسبوعين ثم تأكدت من صحة تشخيصي بعد ذلك.
البلد يشتعل وأرواح الناس تزهق بلا حساب والرئيس يقف على المنبر يتحدث عن المؤامرة الكبرى التي تستهدف بلاده ويضحك بل ويبالغ في الضحك، حينها تساءلت إن كان سيادته يدرك الوضع الذي تمر به البلد وله اطلاع بشأن الأبرياء الذين يموتون هنا وهناك بالرصاص؟ المفروض أن مجرد الحديث عن مؤامرة كبرى تستهدف البلد من شأنه أن يمنع الرئيس عن الابتسام فكيف بالضحك وتكرار ذلك في أربعة عشر موضعا وفق بعض الإحصائيات. شباب في عمر الزهور يقتلون في الشوارع وأول مسؤول في البلد يقابل ذلك بالضحك، لا تبحثوا لكم عن تفسيرات سلوكية لهذا الأمر بل صدقوني أنه لا يعلم.
سيادته لا يشاهد اليوتيوب ولا يتواصل عبر الفايسبوك العام ولا يقرأ الصحف ولا يتابع أخبار الفضائيات، لذلك ترونه يضحك ويبتسم ويؤكد للعالم أجمع أنه هو المسؤول الأول والوحيد عن تأخر الإصلاحات التي وعد بها عند تنصيبه على عرش الرئاسة وصادقت عليها القيادة القطرية للحزب قبل ست سنوات. اعترف بلسانه أن الذين معه طالما نصحوه بضرورة التعجيل بالإصلاحات لكنه هو الذي كان يؤجل ذلك لاعتبارات إنسانية وغيرها.
الشباب والنساء والأطفال يتظاهرون في الشوارع يطالبون بحقهم في الحرية والتعبير الحر والعيش بكرامة بعيدا عن سيف المخابرات والمخافر المسلط فوق رؤوسهم، وهم يرون أن خمسين عاما من عيش الذل والهوان كافية وأن أزهار ربيع الكرامة والحرية حان أن تتفتح، لكن رئيسهم يقول لهم إنه لا يريد أن يتسرع في اتخاذ أي قرار مهما كان مستعجلا، صدقوني أنه ما كان ليقول مثل هذا الكلام لو أنه علم بأمر المظاهرات الجارية في البلد. حتى قانون الطوارئ عندما قرر أن يلغيه فإنه لم يفعل ذلك لأنه استمع إلى الشارع وهو يطلب منه ذلك، بل لأن ذلك كان ضمن أجندته الخاصة وهو يرى أن الوقت حان لتنفيذ بعض بنودها مستقبلا، ليس اليوم أو غدا. وهنا أطلب منكم أن لا تغضبوا إذا قلت لكم كم أنا سعيد لأن قانون الطوارئ لم يلغ بعد في سورية، لعلها بركات حكمة القيادة! وهذا هو في الحقيقة موضوع رسالتي التي أريد من أي شخص له علاقة مباشرة بالرئيس أن يوصلها إليه. أريد أن أقول لسيادته شكرا على عدم استعجالك وتأجيلك المتكرر لرفع قانون الطوارئ، وأنا اليوم أتقدم إليك بطلب ملح أن لا توقع أي مرسوم لإلغاء هذا القانون، بل أصدر أوامرك بتشديد العمل به. أعرف أنك لا تعلم أن هناك خطرا كبيرا يحدق ببلدك هو أعظم شأنا من المؤامرة الكبرى، لذلك أتوسل إليك أن لا ترفع حالة الطوارئ لا اليوم ولا غدا ولا حتى العام المقبل. أكيد أنك لم تستمع أيضا إلى مستشارتك الإعلامية والسياسية والمتزلفين الآخرين وهم يطلقون وعودا بل يبشرون الناس أن قانون الطوارئ سيرفع حالا، أي مباشرة عند بداية اندلاع انتفاضة درعا.
لست أبغي منافسة للبيادق المحيطة بك ولن أقول لك إن قانون الطوارئ إجراء حكيم اتخذ في عهد والدكم الميمون وهو أفضل قانون صدر في سورية منذ الأزل، بل أنا من أنصار الحرية والكرامة وضد قانون الطوارئ وكل القوانين الاستثنائية الأخرى، لكني بعد ما رأيت وسمعت وقرأت وجدتني مضطرا لأقول لك عبر هذه الرسالة الخاصة التي أرجو أن تصل إليك: سيادة الرئيس اكسر جميع أقلامك وانس تماما وعدك الذي وعدت بشأن إلغاء قانون الطوارئ. لن أقول لك إن شبابا وأطفالا في عمر الزهور من أبناء بلدك العزيز، بلد الحضارات والعلم والعلماء والمبدعين، يموتون ويقذفون في غياهب سجون مصالح الأمن المختلفة، هذا أمر جرى ويجري لكنك لم تسمع به ولا ألومك عليه، لكني سألومك إذا قررت لاحقا إلغاء قانون الطوارئ ورميت البلد بين أنياب قوى فتاكة، وسأقول لك لماذا. فلتعلم سيادة الرئيس أن هناك جيشا مسلحا اخترق كل أجهزة أمن بلدك وصار يزرع الرعب والفتنة وسط أبناء شعب سورية. نعم سيادة الرئيس، هناك جيش لا نعلم قوامه داخل سورية يلبس لباسا شعبيا وبعض أفراده ملثمون، منهم من يحمل مسدسات وآخرون رشاشات يفرغونها في صدور أبناء شعبك. نعم لقد رأيناهم بأعيننا بفضل يقظة مصوري التلفزيون السوري وهم يختبئون وراء الأشجار يطلقون الرصاص ويقتلون الناس.
الأدهى من ذلك والأمرّ أن هؤلاء المندسين تمكنوا من تسلق مبان أمنية ومنها كانوا يطلقون النار على المدنيين وعلى رجال الشرطة أيضا. يسمونهم رسميا المسلحون وقد رأينا صورة واحد منهم على الأقل، لا يبدون فضائيين ولا خارقين للعادة، بل هم يجرون بخطى متثاقلة ومع ذلك لا أحد تمكن من القبض عليهم أو مجرد التعرف على أحدهم. أعلم أن ذلك سيحز في نفسك لأن المعروف أن أجهزة الأمن السورية على درجة عالية من اليقظة والفطنة بحيث لا يمكن أن يفلت منها شخص واحد وهو يحمل مجرد أفكار تخريبية فكيف بالمسدسات والرشاشات، لكن هذا هو الواقع الحاصل الآن وهذا هو الذي دفعني إلى محاولة الاتصال بك لإبلاغك بضرورة الإبقاء على قانون الطوارئ إلى حين الإيقاع بهذا الجيش العرمرم الذي دخل التراب السوري وصار يعيث في أهل البلد الشرفاء فسادا وتقتيلا من دون أن تتمكن قوات الأمن والمخابرات من وضع يديها على عناصره. لا تنتظر أن أنصحك بضرورة إقالة جميع المسؤولين على الأجهزة الأمنية لأنهم غفلوا عن تغلغل عصابات جيش عدو مندس في الشوارع وعلى أسطح البنايات الحكومية والأمنية، فهذا قرار لك وحدك أن تتخذه، لكني ألح عليك فقط أن تبقي على قانون الطوارئ إلى حين القضاء قضاء مبرما على هؤلاء المندسين وتقديم من بقي منهم حيا إلى المحاكمة. أرجو أن تصلك رسالتي قبل أن تتمكن هذه العصابات من كل الشعب السوري، خاصة إذا تركت البلد ينعم بالحرية وخلصت شعبك من قانون الطوارئ.