عباس الطرابيلي


يزعجني كثيراً هذه الفوضي الأمنية، التي يصفها البعض أحياناً بالانفلات الأمني.. وأعتقد أننا سنحتاج إلي زمن طويل لكي ننسي هذه القصص الرهيبة، التي يتداولها الناس حول هذا الخلل أو الانفلات.. بل سوف نحتاج إلي جهد كبير لكي نتجاوز هذه الأخطار والأخطاء..

والمؤلم أن نعلم أن هناك من يتعمد التخفيف من هذه الآثار، الآن وفي المستقبل، وسوف ندفع الثمن لكي نتخطي هذه الاخطار من الأنفس ومن الاموال بل ومن السلوكيات..

وأخطر ما سوف نجنيه هو عدم احترام البعض للقوانين.. ولمن يحاول تطبيق هذه القوانين.. حتي ولو كان ذلك أي قوة رسمية تحاول الدولة تكليفها بذلك.. والقاعدة تقول اننا إذا كنا نحتاج إلي سنة لفرض قانون، أو تعويد الناس علي احترامه فضلاً عن تنفيذه.. فإننا نحتاج إلي عشرة أعوام لكي نستعيد احترام الناس لهذا القانون.. اذا سمحنا لهم يوما بالقفز عليه..

lt;lt; مثلا احترام المواطن لرجل الشرطة احتجنا إلي مئات السنين لكي نكرسه ونجعل لهذا الرجل هيبته وخشيته.. فضلاً عن الاحترام.. الآن نتحدي من يدعي أن الناس تنظر إلي الشرطي، كما كانت تنظر إليه منذ عام واحد فقط، بل منذ شهور قليلة، وبعد أن اهتزت صورة رجل الشرطة، حتي لو كان ضابطاً، اصبح هناك من يقف الآن في وجه هذا الضابط، بل ويوجه له السباب والإهانات للاسف وعلينا ان نعترف ان كل الاعتداءات التي وجهت إلي أقسام الشرطة لم تقع كلها من البلطجية والفتوات..

lt;lt; والانفلات الأمني له مظاهر عدة..

منها البناء علي الأرض الزراعية بالمخالفة لكل القوانين، حتي قانون الطعام ومهما نجحت الحكومة في ازالة الكثير من التعديات، فإنها لن تعيد كل هذه الاراضي الي سابق عهدها من الخصوبة وصلاحية الزراعة، ولقد فقدنا في الشهرين الماضيين مئات الافدنة.. وبعد ان كان هناك من يستغل الاجازة الاسبوعية، أو اجازات الاعياد ليبني ما يشاء مستغلا غياب موظفي الدولة خلال اعيادهم.. ها هم وجدوا انفسهم في غياب رسمي وأمني امتد اكثر من شهرين ففعلوا فيهما ما شاءوا!!

ومنها مخالفات البناء إما بالتعلية أو إضافة ادوار أو غرف علي مبني قائم.. دون الاهتمام بالحصول علي تراخيص بذلك.. ودون اعتبار أن اساسات المبني لا تتحمل أي اضافات أو تعلية.. بكل ما يمثله ذلك من مخاطر علي حياة الناس من السكان أو حتي من المارة..

وفي كلتا الجريمتين سواء البناء علي الارض الزراعية أو التعلية المخالفة فاننا نخسر ثمن مواد البناء.. وأجور العمال وكل التجهيزات الصحية والكهربائية بل وتأثيث هذه الشقق الاضافية.. وهي أموال تضيع سواء بالازالة التي تصر عليها السلطة العسكرية الحالية.. أو عندما تسقط هذه وتلك والعياذ بالله.

lt;lt; وأول امس مررت بالطريق الدائري.. ووجدت عجباً.. وجدت تلالاً من مخلفات الهدم والبناء وقد ألقيت علي جانبي هذا الطريق.. وكنت أراها تلقي علي استحياء، أو خلسة في الماضي.. خوفاً من بطش السلطة الواجب.. ومن مطاردة لكل سيارة تحمل هذه المخلفات، أو تحاول إلقاءها في الخلاء.. بعد ان كنا نري ذلك.. وجدت تلال هذه المخلفات ترتفع علي طول الطريق.. وربما تلقي علانية وفي وضح النهار، بعد ان كانت تلقي خلسة وفي الساعات المتأخرة من ليل الخميس والجمعة.. وهكذا..

وبعد أن كانت المحليات تعاني من اعادة رفع مخلفات سيارة واحدة أو سيارتين.. بات علي هذه المحليات - ان عادت - ان تخصص مئات السيارات واللوادر لرفع هذه المخلفات واعادة إلقائها في داخل الصحراء.. أو في مدافن خاصة في الوديان وغيرها..

lt;lt; وهذه الجريمة ليست مقصورة علي الطريق الدائري.. ولكنها امتدت إلي كل المناطق الجديدة.. وشاهدوا ما يجري الآن في مناطق التجمع الخامس، أو القاهرة الجديدة.. وكل منطقة فيها، وعلي القرب منها، مناطق للبناء.. وتسوية أرض البناء..

واذا كان هذا يحدث علانية في القاهرة الكبري.. فماذا يكون الحال في المدن الاخري، في الدلتا وفي الصعيد.. وكلها تفشت فيها هذه الجريمة التي ستحتاج إلي سنوات عديدة.. ومعدات كبيرة لإزالتها واعادة الوضع إلي ما كان عليه.. قبل يناير 2011؟!

اذا كان هذا الدبش وتلك المخلفات انتشرت - مثلاً - علي طول ترعة المنصورية.. أو مصرف المريوطية فربما نحتاجها لردم هذه وتلك اذا قررنا تغطيتهما.. فماذا سنفعل بالمخلفات التي تلقي علي طول الطرق الخارجية والداخلية.. وغيرها؟..

lt;lt; هل ننقذ ما يمكن انقاذه بأن نستعيد السلطة وتعود الشرطة وأن تعود المحليات لتقوم بواجبها كما يجب أن نعيد النظر تماماً في نظام المحليات حتي ولو اضطررنا إلي اعادة البلديات القديمة.. أي المجالس البلدية والقروية ونستعيد وزارة كان اسمها - زمان - وزارة الشئون البلدية والقروية.. أم ننتظر فترة اطول لتزداد القضية تأزماً..

انها احدي أبرز مساوئ الخلل الأمني.. والغياب الأمني فإذا كان هذا يحدث بالنسبة للشوارع.. فما الذي يحدث بالنسبة للناس، وللأطفال علي وجه الخصوص..