مأمون فندي
ببساطة وفي ثمانية عشرة يوما حسوما شال المصريون مبارك من الحكم، ولكنهم لم laquo;يشيلوا مبارك من دماغهمraquo;. وعندما يقول المصري العادي laquo;شيله من دماغكraquo; يعني لا تفكر فيه، وهذا هو المعنى القريب، وهذا مهم بالنسبة للتغيير في مصر، لكن المعنى البعيد الذي أقصده هو أن مبارك لم يكن شخصا واحدا، مبارك هو laquo;سوفت وير مصريraquo;، فكل مصري تقريبا فيه مبارك صغير في عقله، فيه بذرة الفساد، وفي سلوكه ديكتاتورية وعدم قبول للآخر، وفيه بلطجة، لأن المصريين اشتروا السوفت وير اللي في راسهم من نفس الشركة التي اشترى منها مبارك. وإن لم نتخلص كمصريين من هذا السوفت وير السيئ، فالأمور لن تكون على حالها كما كانت أيام مبارك، بل ستتجه إلى الأسوأ. وبالسوفت وير أعني المعايير ومنظومة القيم التي تلقنها المصريون تلقينا في المدرسة والجامعة ومن التلفزيون والمقهى والشارع، سوفت وير يؤصل لديكتاتورية جديدة، إن ترك دونما تغيير، إن لم يمح المصريون مبارك من دماغهم.
حظ المصريين أنها كانت ثورة شعبية دونما قيادة، وظني أن القيادة لم تظهر لأننا أيام الثورة كنا مع بعضنا البعض، ولا يستطيع أن يدعي أحد أنه ساهم في الثورة أكثر من غيره، فكلنا كنا شايفين بعض، ولولا التدفق الشديد للبشر وزيادة الأعداد لوجدنا من يدعي أنه مفجر الثورة، ورغم أنه laquo;كانت عيننا في عين بعضraquo;، ورأينا أن الثورة كانت عفوية، مثل laquo;الراجل أبو جلابية اللي نزل الاستاد ونزلنا وراهraquo;، إلا أن هناك من يحاول وبعد الهنا بشهرين أن يجعل من نفسه بطلا على شاشات التلفزيونات الخاصة في مصر، رغم أن بعض مالكي التلفزيونات هم ممن استولوا على الأراضي، واستولوا على أموال البنوك، هم من قامت ضدهم الثورة. فكيف لمن قامت ضدهم الثورة أن يكونوا هم من يعمدون أبطال الثورة على شاشاتهم. شاشات رجال الأعمال الشرفاء في العالم الفضائي، والملاحقين قضائيا في عالم الواقع. نفس سوفت وير مبارك، بطولات بالنهار ونصب واحتيال بالليل، فإن لم نمح هذا السوفت وير من رؤوسنا، فنحن بصدد كتابة برنامج جديد نركبه في رؤوس النشء، أسوأ من برنامج مبارك، لذا أقول لإخواني في الوطن شيلنا مبارك من الحكم، والتحدي الأكبر هو أن نشيل مبارك من دماغنا.
بالأمس عين المجلس العسكري ورئيس مجلس الوزراء مجموعة محافظين جدد بدلا من القدامى، وكان مبارك ونظام مبارك موجودا في كل مكان في هذه التعيينات. نظام laquo;السبهللهraquo; في الاختيار وفي الإعلام والتبريكات. فخذ laquo;السبهللة الإعلامية مثالا أولياraquo; إذ عنونت laquo;الأهرامraquo;: laquo;20 محافظا جديدا.. وحلف اليمين غداraquo;، وقالت laquo;المصري اليومraquo;: laquo;تغييرات في 19 محافظةraquo;، وقالت laquo;الأخبارraquo;: laquo;حركة شاملة لتغيير المحافظين تضم 18 محافظاraquo;. فكيف لأكبر الصحف المصرية أن تكتب معلومة واحدة تخص عدد المحافظين الذين تغيروا، هل هم 18 أم 19 أم 20؟ الله أعلم بعددهم، طالما أن الصحافة المصرية حتى بعد مبارك لا تستطيع أن تعد من واحد لعشرين، وتقرر معلومة بسيطة مثل عدد المحافظين الذين تم تغييرهم. هذه هي السبهللة، وهذا هو سوفت وير مبارك، كله ماشي، وكله عند العرب صابون، ولا داعي للدقة أو التدقيق في أي شيء. لذا أقول قد شلنا مبارك من الحكم، وما زال مبارك في أدمغتنا، لا معايير للدقة، ولا تقييم لأي شيء.
أما قصة طريقة اختيار المحافظين الجدد، ومعايير الاختيار، فكما كان المصريون لا يعرفون عنها شيئا، وهي طلسم من طلاسم كهنة الفرعون ومن يقومون بالتوظيف عنده، فلا نعرف كيف اختار الدكتور شرف أو المجلس العسكري هؤلاء المحافظين وما هو معيار الاختيار؟ لا أحد يعلم. لا نعرف شيئا عن التاريخ الشخصي للمحافظين الجدد سوى أنهم من لواءات الجيش أو الداخلية السابقين، وهذا ما كان يفعله مبارك. فهل يحكم مبارك من شرم الشيخ رغم عزله، أم أن الحزب الوطني الموجود حاليا في سجن مزرعة طرة هو الذي يختار، لا جديد بعد الثورة. أو رغم الثورة.
كنت أظن أن المحافظين سيتم اختيارهم بالانتخاب حتى نتعلم ممارسة الديمقراطية على المستوى المحلي ونقلل من خسائر اختياراتنا، فمثلا أن تخطئ في اختيار محافظ، غير أن تخطئ في اختيار رئيس للدولة، ولكن فضل القائمون على الحكم الآن أن يتصرفوا وكأن مبارك ما زال يحكم، بدلا من أن يعترفوا بالثورة، ويعطونا ولو فرصة في اختيار محافظ لمنطقة أو لمدينة. إذن شلنا مبارك من الحكم، ولم نشل مبارك من رؤوسنا، وحتى يشيل المصريون مبارك من دماغهم، سيبقى مبارك ونظامه هو من يحكم مصر، أيا كانت أعداد المتظاهرين، وأيا كانت البدل التي يرتديها المصريون على الشاشات وصالونات التوك شو المصرية. فإلى الأخ عصام شرف وإلى المجلس وإلى الإعلام المصري: من فضلك laquo;شيل مبارك من دماغكraquo;.