خيرالله خيرالله

في كل يوم يمر، تطرأ تعقيدات جديدة على الوضع الليبي. بات من الصعب التكهن بما ستؤول اليه الاوضاع في هذا البلد المهم في المدى المنظور. الامر الوحيد الاكيد انه لن يكون هناك مكان لنظام العقيد معمّر القذافي لا على الخريطة العربية ولا الافريقية ولا خريطة العالم. النظام انتهى بقرار دولي. السؤال متى التنفيذ وماذا سيحل مكانه؟ هل هناك طريقة كي تكون ليبيا دولة ديموقراطية موحدة، ام تنقسم الى ثلاثة كيانات او الى كيانين في احسن الاحوال عاصمة احدهما طرابلس والآخر بنغازي؟
في انتظار الاتفاق على البديل الذي سيحلّ مكان quot;الجماهيريةquot;، تبدو ليبيا حاليا عاجزة عن انتاج قيادة جديدة تستطيع مخاطبة العالم بصوت واحد وتأكيد ان هناك من هو قادر على تحمل المسؤولية، بشكل شخص او هيئة، بما يعيد تلك الدولة العربية عضوا محترما في الاسرة الدولية. تلك هي المشكلة الاساسية التي تعاني منها المعارضة الليبية، او على الاصح عملية التغيير في هذا البلد. اسوأ ما في الامر ان هذه المعارضة لا تبدو قادرة على حل هذه المشكلة قريبا في ضوء التجاذبات التي تعاني منها.
كم ستدوم فترة الانتظار؟ الكثير يتوقف على ظهور شخصية قيادية تمتلك خطابا سياسيا واضحا يطمئن الليبيين والجيران العرب والافارقة واوروبا خصوصا الى مستقبل ليبيا والى انها لن تكون قاعدة لـquot;القاعدةquot;. في غياب هذه الشخصية التي يمكن ان تأخذ شكل قيادة جماعية، سيظل الوضع يراوح مكانه. سيظل العقيد القذافي مسيطرا على طرابلس وما حولها وسيظل الثوار في بنغازي يتقدمون احيانا في اتجاه هذه المدينة او تلك ثم يتراجعون في انتظار quot;نيران صديقةquot; تؤمن لهم استعادة المبادرة...
لا بدّ من الاعتراف بانّ نظام العقيد معمر القذّافي الذي عمره ما يزيد على واحد واربعين عاما استطاع خلق واقع جديد في البلد. فليبيا، على الرغم من كل الثروات التي تملكها، دولة فقيرة لا مؤسسات فيها. اما القوى السياسية، فهناك خوف من ان تكون تحت سيطرة متطرفين ينتمون فعلا الى quot;القاعدةquot; وما شابه ذلك، علما ان في صفوق المعارضة شخصيات كثيرة عاقلة ومعتدلة. ربّما كان ذلك ما يجعل المجتمع الدولي مترددا في الذهاب بعيدا في عملية اقتلاع نظام القذّافي عن طريق استخدام القوة بما في ذلك التدخل العسكري المباشر. ربما كان ذلك ايضا ما يدفع الى القول ان الزعيم الليبي حقق نجاحا كبيرا ليس على صعيد تدجين المجتمع الليبي فحسب، بل في مجال تدمير المؤسسات ايضا. لم يبق في ليبيا سوى مؤسسات مرتبطة بالرجل. الرجال المشرفون على هذه المؤسسات يدركون ان مصيرهم مرتبط بمعمر القذّافي وان لا خيار آخر امامهم سوى البقاء الى جانبه حتى النهاية. ولذلك، نجد ان قلة فقط من بين الذين تعاونوا مع القذّافي امتلكت ما يكفي من الشجاعة واعلنت ان لا مستقبل للنظام وان كل المحاولات التي بذلت من اجل اعادة تأهيله انتهت الى فشل. من هذا المنطلق قرر المنتمون الى تلك القلة مغادرة ليبيا والعمل من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه بما يوفر بعض العذابات على الليبيين.
متى يسقط النظام؟ الجواب بكل بساطة ان ذلك سيحصل في الوقت المناسب. هناك منذ انعقاد مؤتمر لندن، اواخر آذار الماضي، بحث جدي في البديل. من الواضح ان هناك وجهات نظر مختلفة في شأن كيفية التعاطي مع الوضع الليبي المعقد. من حسن الحظ على الصعيد السياسي ان هناك مجالا للأخذ والرد بين المعنيين بالوضع بهدف تفادي القرارات المتسرعة. ولكن من سوء حظ الشعب الليبي انه يدفع غاليا ثمن تردد المجتمع الدولي في اتخاذ قرار الحسم سريعا.
يبقى سؤال اخير: ما الذي يستطيع العرب الاخرون عمله خصوصا بعدما اتخذت دول عدة على رأسها الامارات وقطر والاردن قرارا جريئا بالوقوف الى جانب الشعب الليبي؟ لا شك ان البحث في المؤتمر الذي انعقد اخيرا في الدوحة وكان استمرارا لمؤتمر لندن تطرق الى الموضوع الاساسي المتمثل في ايجاد البديل. متى وجد البديل سيصبح من السهل اتخاذ القرار الضروري القاضي بانهاء quot;الجماهيريةquot;. يفترض في الجانب العربي المساعدة في ايجاد البديل. الى الآن، هناك خوف لدى المجتمع الدولي، خصوصا لدى الاوروبيين من ان يكون البديل الجاهز لاستلام السلطة اسوأ من النظام القائم. ما لا يغيب عن بال كثيرين في اوروبا ان القمع الذي مارسه الزعيم الليبي منذ العام 1969، شجع بطريقة او بأخرى على التطرف. ليس سرا ان الغاء الحياة السياسية في اي بلد من البلدان يولد تطرفا. يبدو رهان القذافي حاليا على المتطرفين الذين هم نتاج quot;الجماهيريةquot; وثقافة الغاء الآخر. انه نجاح موقت لنظام عربي آخر اقتربت نهايته. المسألة مسألة وقت ليس الاّ. المسألة مسألة تجهيز البديل. متى يصبح البديل جاهزا سيكون من السهل العودة الى ممارسة الضغوط المناسبة التي تؤدي الى الانتهاء من quot;الجماهيريةquot;...