لندن - فيكتوريا بريتين

يشهد النظام القضائي المصري هذه الايام، نشاطا وحيوية يعمل فيها على تصحيح اخطاء الماضي، ففيما ينتظر ابنا الرئيس السابق حسني مبارك الوقوف امام القضاء، تقوم العدالة المصرية بالافراج عن عشرات الالاف من المعتقلين من معارضي مبارك، الذين قضى معظمهم 30 عاما في السجن، بمن فيهم عبود الزمر، الضابط الذي وفر الرصاص لاغتيال الرئيس المصري السابق انور السادات عام 1981.
ومقابل حراك العدالة المصرية لدينا قضية في بريطانيا تنتظر، فما زال ناشط بارز سابق في الدفاع عن حقوق الانسان ومعارض لنظام مبارك ينتظر ان تأخذ العدالة مجراها، خاصة انه يقبع في السجن منذ 12 عاما وبدون محاكمة، وقضيته تسم النظام القضائي البريطاني بالعار. اسم هذا الناشط عادل عبدالباري، المحامي الذي كان ولعدة سنوات مصدرا مهما للمعلومات التي كان يوفرها لمنظمة العفو الدولية (امنستي انترناشونال) عن ممارسات النظام في مصر، ودفع ثمن معارضته السياسية سنوات من السجن والتعذيب القاسي، التي بناء عليها قد منح حق اللجوء السياسي في بريطانيا عام 1993.
لكن عبدالباري تعرض للاعتقال في بريطانيا عام 1998، اي بعد فترة قصيرة من هجمات القاعدة على سفارتي الولايات المتحدة في شرق افريقيا، ثم اطلق سراحه بعد احتجاز دام خمسة ايام، عندما لم تجد الشرطة البريطانية اية ادلة لتوجيه اتهامات له بالضلوع بالارهاب، ثم اعيد اعتقال عبدالباري مرة اخرى عام 1999 عندما طالبت الولايات المتحدة ترحيله وبالضبط بناء على 'الدليل' الذي استبعدته بريطانيا قبل عام من الطلب الامريكي. ففي حينه قامت بريطانيا بارسال دليل اعتبره المدعون الامريكيون مدينا لعبدالباري، في ما تعاملت معه بريطانيا على انه جزء من عمليات التعاون في الحرب على الارهاب، وتشارك في المعلومات الامنية معها. ومنذ ذلك العام وعبدالباري في السجن، وفي الوقت نفسه يقاوم عملية ترحيله، التي طالت اجراءاتها وبشكل يذكر بالقضية المعروفة في رواية تشارلس ديكينز 'تشارانديز ضد تشارانديز'، وذلك في روايته المعروفة 'البيت الكئيب'.
فقد تعاقب على قضية ترحيله عدد من وزراء الخارجية الذين قضوا ستة اعوام في مناقشة ملف ترحيله ـ ما بين 2002 الى 2008 ـ اضافة الى ان قضيته امام المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان مجمدة وتنتظر اجوبة من الحكومة البريطانية، خاصة في ما يتعلق بالمخاوف المتعلقة باوضاع السجون الامريكية القاسية والمخصصة للمحكومين باحكام مؤبدة، اضافة للمخاوف بان عبدالباري سيتلقى حكما مؤبدا بدون حق باخلاء سبيله. وفي كل هذه الاعوام حرم عبدالباري من عائلته، زوجته وابنائه الستة، اضافة لحرمانه من المشاركة في اتراح وافراح عائلته، مثل وفاة والدته وزواج ابنته ورعاية ابنائه الذين كبروا.
وقصة عبدالباري مع الترحيل بدأت عندما ورد اسمه وغيره في لائحة الادعاء في قضية ارهاب تعرف باسم 'الولايات المتحدة ضد اسامة بن لادن وشركائه'. فقد بدأت الولايات المتحدة ببناء القضية هذه في شباط (فبراير) 1998 بعد اعلان القاعدة عن انشاء 'الجبهة الاسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين'، التي وقع على اعلانها عدد من المسؤولين في جماعات اخرى بمن فيهم ايمن الظواهري، الذي كان في حينه زعيم حركة الجهاد المصرية.
وان اخذنا بعين الاعتبار انه في عالم المعارضة السرية المصرية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كانت حركة الجهاد مكونة من متعلمين وحرفيين مثل ايمن الظواهري وعبدالباري، وظلت الحركة كذلك عشرين عاما قبل ان يشجب اعضاؤها الظواهري لانه وقع على بيان اعلان الجبهة.
وتقوم كل الدعوى الامريكية 'الولايات المتحدة ضد اسامة بن لادن' على شهادة شخص واحد يعرف باسم 'المصدر السري الموثوق رقم 1'، وهو اول خائن لـ'القاعدة'، حسب وصف روزيتا ستون، المحققة الامريكية. ولكن هذا المصدر معروف الان وهو السوداني، جمال الفضل، الذي لم يقابل ابدا عبدالباري ولم يذكر اسمه في ادلته حول العلاقة المفترضة بين 'القاعدة' وحركة الجهاد المصرية. ولكن المدعين الامريكيين استخدموا العلاقة لتوريط اعضاء واعضاء سابقين بدون اية ادلة تظهر تورط الافراد المعنيين بالتفجيرات.كل هذا على الرغم من ان الفضل بدأ حياة جديدة ضمن برنامج حفظ حياة الشهود، حيث تم احضار عائلته من السودان، وكلف دافعي الضرائب الامريكيين ملايين الدولارات، وصرفت عليه الساعات الطويلة في الحراسة التي يتولاها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي اي) الذين وفروا له الحماية والعناية خلال كل هذه السنوات. واطلقوا عليه لقب 'جونيور' لتصرفاته الصبيانية.
وبعيدا عن فقدان هذا الشاهد المصداقية، فهناك اسئلة جادة تطرح حول الطريقة التي تصرف بها المدعون الامريكيون، فبعد مدة ليست بالطويلة من بداية القضية، كشف عن 18 اجتماعا تمت عبر الفيديو بين الفضل والمدعين في نيويورك، والاشرطة المسجلة تظهر كما يقول المحامون ان الفضل كان محل 'قولبة وتلاعب'. ومن هنا فان لا يوجد اي دليل قوي يظهر تورط عبدالباري، الا الدليل الوحيد الذي عثر عليه في مكتبه بعد اسابيع من التفجيرات، وهو فاكس، وفيه اعلان عن تفجير السفارتين الامريكيتين، لكن لم يكن عبدالباري الشخص الوحيد الذي تسلم مكتبه هذا الفاكس، فقد ارسل لمكاتب اعلامية مختلفة.
فمع هذا الدليل وشهادة الفضل المزعومة حول العلاقة المفترضة بين 'الجهاد المصرية' و'القاعدة'، قفز المحققون الامريكيون وتوصلوا لنتيجة مفادها ان عبدالباري كان على علم مقدما بالتفجيرات وعليه يتحمل مسؤولية عنها. وتأتي قصة عبدالباري في ضوء تراجع ادارة اوباما، فقد تراجعت في الاسبوع الماضي عن قرارها بتقديم المشاركين في التآمر في تفجيرات 11 ايلول (سبتمبر) لمحاكم فيدرالية، واختارت عوضا عن ذلك تقديمهم للجان العسكرية في معتقل غوانتانامو، وهي اللجان التي طعن بعدالتها القانونية، وقرار كهذا يعني اعترافا من ادارة اوباما بهزيمة الحرب على الارهاب في النظام القضائي الامريكي.
وبناء على ما تقدم، صار من الواجب على وزير العدل البريطاني نصح وزير الداخلية التوقف عن المشاركة بجريمة الاستهزاء بالقضاء البريطاني الجاري منذ 13 عاما في محاولات امريكية لا تقوم الا على ادلة واهية لترحيل عبدالباري.

' كاتبة تدافع عن سجناء الرأي ومراسلة سابقة للشؤون الخارجية لصحيفة 'الغارديان'