أمجد عرار

سوريا بحاجة إلى إصلاح جذري وجدّي وحقيقي . لا نعتقد أن أحداً يمكن أن يجادل في هذه الحقيقة . سوريا بحاجة إلى الإصلاح ليس بسبب مناخ الثورات، الحقيقي منها والمشوّه، السائد في المنطقة العربية . سوريا بحاجة إلى الإصلاح بالمدى الذي يريده الشعب، فمن الناطق باسم هذا المدى؟ الإصلاحات واجبة ليس لأن البلد يشهد احتجاجات، فهي ما زالت محدودة العدد، في حين أن معيار نجاح من يدعي قيادة معركة الإصلاح والتعبير عن مطالب الشعب، يكمن في قدرته على إقناع الناس، لا أن يستغل نزولهم التلقائي يوم الجمعة . الإصلاح كان مطلوباً منذ سنوات، وهو مطلوب اليوم، وسيبقى مطلباً قائماً إلى أن يصبح التغيير جذرياً في إطار بلد موحّد . الجذرية مطلوبة لأنه من دونها لن يفضي الإصلاح إلى استنهاض طاقات الشعب على أساس الحقوق والواجبات . الجدّية مهمة لأن مطالب الشعوب واحتياجاتها تحدّ وجودي، وليست موجة تتكسّر على الشاطئ القريب . الإصلاح الحقيقي ضروري لأن الإجراءات الشكلية لا تصمد أمام الاختبارات .

استناداً إلى ثلاثية الجذرية والجديّة والحقيقية، قلنا إنه إذا كان ما جاء في الخطاب الأول للرئيس السوري هو كل ما في جعبته للرد على تحديات المرحلة، فإنه يخرج نفسه من سياق الزمن، أما إذا كان الخطاب إطلالة لها ما بعدها، فإن ما يتبع من إجراءات سيكون معياراً آخر . أقيلت الحكومة وشكّلت حكومة جديدة، وأنشئت لجان خاصة بالقوانين المعنية بالإصلاح، وتُوّجت السلسلة برفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة، وقانون للتظاهر السلمي، وإقالة محافظين وإحالة مسؤولين أمنيين للتحقيق .

القول إن هذا ليس كافياً، لا غبار عليه، فهناك استحقاقات أخرى، منها تعديلات دستورية تؤسس لديمقراطية تعددية تكسر احتكار حزب البعث للسلطة، وثمّة حاجة ماسة لإعادة بناء أجهزة الأمن كي تكون للشعب لا عليه، وهناك ضرورة قصوى ليس لوقف الاعتقال السياسي فحسب، إنما لإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين . هناك أهمية استثنائية للحوار مع أطياف المجتمع السوري بما فيها المعارضة الوطنية في الداخل، فهي جزء من الوطن، وأبناؤها اختلفوا مع النظام لمصلحة الوطن، هم جزء من النسيج وليسوا دخلاء، هم في خط الممانعة واحتضان المقاومة، وليسوا استسلاميين أو مطبّعين أو متآمرين، وهم فوق ذلك، بقوا في وطنهم وصمدوا ودفعوا ثمن مواقفهم ومبادئهم، لم يهربوا إلى فنادق واشنطن ولندن لكي يحموا فروات رؤوسهم، ثم يحرّضوا الآخرين على التضحية بالإنابة عنهم، ثم يتاجروا بهم ويموّلوا مراكزهم الوهمية المشبوهة من معاناة الناس . لا يمكننا أن نستقيل من الوعي لكي نقتنع بأن منشقين كانوا لعقود جزءاً من النظام، قد أصبحوا بين ليلة وضحاها ديمقراطيين في عواصم الغرب والغرف السوداء التي تجمعهم ب ldquo;الموسادrdquo; .

من يريد الإصلاح لا يحرّض على التخريب والفتنة اللذين يقودان للعرقنة والصوملة والتقسيم، وليس للإصلاح . لا نريد لبلداننا العربية ldquo;حريةrdquo; محمولة على الدبابات وفق الطريقة العراقية . لا نريد ديمقراطية الاستفتاءات التقسيمية على غرار جنوب السودان . لا نريد لبلداننا إصلاحات غورباتشوفية تنبش الأساسات وتجلب الانهيارات وتبعثر الأوطان . لذلك، ولأن ما يستهدف في سوريا إيجابياتها لا سلبياتها، فإن البعض سيفعل كل شيء ليخرّب الإصلاحات .