بيروت: أفرزت ثورة 25 يناير واقعاً فنياً جديداً يسيطر اليوم على الساحة في مصر، فذاكرة الجماهير الثائرة لا تزال حاضرة لمن كان معهم بفنه، أو بوجوده الفعلي بينهم، وبين من أدانهم، ووقف ضدهم، وشتمهم، وحرّض على قتلهم، وبين من التزم الصمت السلبي حتى إستقر المشهد، وحسم الموقف، ليخرج عليهم بعمل فاقد القيمة والمصداقية مسبقاً.

ربما أبرز نموذجين من الساحة الغنائية كانا يتنافسان على لقب الملك (الكينغ) على الساحة الغنائية في مصر: الكينغ محمد منير، والكينغ أو الهضبة عمرو دياب.

والفرق بين الملكين كبير فنياً، لكنه قريب شعبياً، فكل منهما يتمتع بشعبية جارفة، وقد يتقاطع جمهورهما، لكن فنياً نجد أن منير فنان البيئة المصرية الشعبية بطعم نوبي خالص، يرسم بكلمات أغنياته صوراً هي انعكاس المرآة للواقع المصري بمختلف أشكاله، وطبقاته، وقضاياه.

منير هو الأقرب للفنان الواقعي الذي يمثل نبض الشعب، ويعبّر عن آماله، وإحباطاته، وأوجاعه، وضعفه، وعنفوانه. بينما يقدم دياب فناً ترفيهياً، يحاكي الغرب أكثر مما يحاكي الشرق، مفرغاً من المضمون الإجتماعي أو السياسي، ويركز في مجمله على المضمون العاطفي.

دياب خلال الثورة التزم الصمت الكامل رغم مطالبة الموجودين في الميدان من جمهوره له بأن ينزل ويقف بينهم، لكنه لم يلبّ النداء، وآثر الصمت حتى ينجلي الموقف، والبعض رأى في ذلك موقف شخص تحكمه الإنتهازية، والخوف على المصالح، ولم يستطع أن يغفر له هذا الصمت، ورفض تقبل أغنية quot;مصر قالتquot; التي طرحها دياب متأخراً كثيراً.

أما منير فرغم غيابه عن ميدان التحرير بجسمه، إلا أنه كان حاضراً بقوة عبر فنه،حيث طرح أغنية بعنوان quot;إزايquot; بعد أيام قليلة من إندلاع الثورة، وهي الأغنية التي كانت مصنفة على أنها ممنوعة من العرض لأنها quot;تحريضيةquot;، وquot;تصور الواقعquot;، وquot;حالة المرارةquot; التي كان يشعر بها المواطن المصري قبل الثورة، وحالة القهر، والقمع، والإنفصال عن الوطن - الذي كان لفئة معينة، وأقصى الملايين، وحرمهم من حقوقهم فيه.

الناس صدقت منير، وأصبحت أغنيته من أبرز أغاني الثورة، لأن تاريخه أولاً يشفع له، فهو طالما كان صوت المواطن المصري البسيط، وقريباً منه، ولأن الأغنية بحد ذاتها كانت مصنوعة منذ أكثر من عام تقريباً، وسجلت قبل شهرين من الثورة،وممنوعة من العرض أو الإذاعة، وعندما إندلعت الثورة تجرأ منير وأطلقها عبر المحطات الخاصة كـ دريم، وأون تي في، والحياة، بصور مميزة من ميدان التحرير صوّرت بعدسة المخرج هادي الباجوري، وتحديداً في السابع من فبراير.

وفي النهاية الثورة إنتصرت لمن إنتصر لها، ونبذت من نبذها، فمنظر دياب وهو يقف في الطابور خلال الإستفتاء على تعديلات الدستور من دون أن يتجمهر حوله المعجبون الذين كانوا الحراس الشخصيين خلال حفلات دياب قبل الثورة يجدون صعوبة كبيرة في تخليصه من بينهم، مشهد يلخّص تماماً التغير الكبير الذي أحدثته الثورة في الخارطة الفنية، وغياب أغنية دياب quot;مصر قالتquot; من العرض المكثف على الشاشات، مقارنة بنسبة العرض الذي تحظى به أغنية quot;إزايquot; مؤشر آخر.

ونجد اليوم فنانين كانوا مهمشين كعلي الحجار وإيمان البحر درويش تحتفي بهم الفضائيات، وتتحدث بإسهاب عن أعمالهم القديمة التي أدت الى تهميشهم من قبل الإعلام الرسمي والخاص على حد سواء، وعزوف المنتجين عن الإنتاج لهم لأنهم لم يقدموا فناً إستهلاكياً.

كما أفرزت الثورة فنانين من قلب الميدان كانوا بين الثوار، ومنهم قبل الثورة كان منبرهم ساقية الصاوي أو دار الأوبرا لكنهم خلال الثورة إكتسبوا جماهيرية وشهرة في ميدان التحرير.

فهل يتعظ فنانو العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، واليمن وغيرها منالدول التي تشهد ثورات اليوم، من زملائهم المصريين، وينتصرون للشعوب المطالبة بأبسط حقوقها الإنسانية من حرية، وعدالة إجتماعية، وإنقلاب على الفساد والطائفية وغيرها من القضايا العادلة قبل أن تتحول عنهم شعوبهم بعدما خذلوها وفضلوا التمسك بمصالحهم والإستسلام لإنتهازيتهم، سؤال سنعرف الإجابة عنه قريباً، وقريباً جداً.فقوائم العار المصرية لابد أن تتحد مع قوائم العار في بقية البلدان الثائرة.

شاهد أغنية إزاي لمحمد منير

شاهد أغنية مصر قالت لعمرو دياب