بيروت: تابعنا بالأمس غالبية القنوات المصرية التي كانت تحتفل بالعرس الديموقراطي الأول، والإمتحان الحقيقي لنجاح ثورة 25 يناير في تغيير سلوك الشعب المصري تجاه الإستفتاءات المصيرية للبلاد.
وتابعنا سيدات الإعلام المصري الخاص وهن يغطين هذا الحدث المثير، والذي كان محاطاً بترقب شديد وتكهنات عديدة تلاطم بينها الشارع المصري بكل فئاته خلال الأيام الماضية، بين نعم ولا، وبين متفائل ومتشائم، وبين واثق وخائف أو حائر لما ستسفر عنه نتائج أي من الإختيارين.
ريم ماجد ظهرت مبكراً في بث مباشر على قناة quot;أون تي فيquot; لتبث تقارير من مراكز الإستفتاء، وإستقبلت عدداً من الضيوف الذين أدلى كل بدلوه وكان محور الحديث هو الإقبال الشديد والكبير من المواطنين المصريين على التصويت، بكل فئاتهم وطبقاتهم وخلفياتهم الفكرية.
كان الفرح واضحاً على الإعلامية الشابة التي لم تخف سعادتها بأنها مارست حقها الإنتخابي للمرة الأولى كما يجب، لأنها كغيرها من المصريين شعرت أن صوتها اليوم quot;يفرقquot; وبأنه سيساهم في تقرير مصير البلد.
وكانت هذه الخدمة الإعلامية المباشرة خطوة جيدة ومهمة من قنوات كانت ممنوعة من التغطية المباشرة لأي حدث على الأرض ذو طبيعة سياسية من قبل النظام السابق.
ومثلها كانت الإعلامية لبنى عسل مع زميلها شريف عامر يقومون ببث مباشر مبكر على قناة الحياةndash; ونقصد بالمبكر هنا أنه بث مفتوح خارج الإطار الزمني لبرامجهم اليومية- وكانت لبنى سعيدة جداً بتجربتها الإنتخابية للمرة الأولى هي الأخرى، ووقفت هي وزميلها في منتصف الإستوديو أمام شاشة عملاقة قسمت لمربعات كانت تبث تقارير لمراسلين من مختلف محافظات مصر من أمام مراكز الإقتراع.
الأخطاء التقنية التي شابت هذا البث المفتوح تغتفر لأن القنوات الخاصة لا تزال جديدة على هذه النوعية من التغطيات، فكانت الإتصالات تتشابك ولا نسمع المراسل في الأستوديو والعكس صحيح.
لكن لم يكن هذا مهماً بقدر ما كانت حماسة الجميع للتواجد والمتابعة والمراقبة مثيرة للإعجاب، إنها مهمة جديدة يضطلع بها الإعلام المصري الذي بدأ يجد ذاته بعد ضياع وتخبط بين الممنوع والمسموح، وبين الواجب والخوف، هو تحرر اليوم الى حد ما من الخطوط الحمر التي كانت مفروضة عليه في السابق، ويحاول قدر الإمكان أن يرقى الى مستوى تطلعات الثورة.
منى الشاذلي أطلت في العاشرة مساء بوجه مشرق وبنصر وردي وتحدثت بسعادة عن طوابير المصوتين في المركز الذي كانت تنوي أن تصوت فيه، ووصفته بأنه أطول طابور إنتخابي شاهدته في حياتها، وأمتد لكيلومترات في الأراضي المقفرة حول المركز. وعرض فيديو موبايل لهذا الطابور يبدو أنها صورته بنفسها.
منى وضعت هواجسها المعتادة جانباً بالأمس، وتحدثت بلغة تفاؤلية فشكرت الجيش، والشرطة، واللجنة المسؤولة عن الإنتخابات على دورهم المشرف في إنجاح الإستفتاء والحفاظ على حياديته، ورغم أنها ذكرت ما حدث للبرادعي لكنها لم تركز عليه في الحلقة، علماًبأنها إستنكرته هي وضيوفها، ورغم أنها نوهت في المقدمة بأنها ربما ستتصل بالبرادعي أو أحد العاملين في حملته لإلقاء الضوء على ما حدث،لكن الحلقة مرت دون إي إتصال به أو بأحد من طرفه.

و كانت هناك إدانة من منى وضيوفها كذلك لإستخدام بعض الفصائل الإسلامية من إخوان أو سلفيين للدين في الترويج لوجهة نظرهم، وكان هناك إتفاق أن الدين من أي طرف كان مسلم أو مسيحي لا يفترض أن يستخدم لتحقيق مكاسب سياسية. وإنتقد أحد ضيوفها إستخدام الأطراف التي تدعم التصويت بـ quot;لاquot; للإبتزاز العاطفي من خلال إدعائهم بأن من سيصوت بنعم فهو يخون دماء شهداء الثورة، وإستنكر الجميع هذا اللعب على المشاعر.
محور الحديث بينها وبين ضيوفها كان حول شعورهم وفخرهم بهذا اليوم، ورواية كل منهم لتجربته الخاصة ومشاهداته، ومدى تقبله للنتيجة، كانت حلقة إحتفالية بكل ما في الكلمة من معنى.
دينا عبد الرحمن مقدمة برنامج quot;صباح دريمquot; كانت صباح اليوم أكثر موضوعية من زميلاتها عندما تناولت الإيجابيات والسلبيات على حد سواء، فلم تكتف بالإحتفال بالعرس الديموقراطي وإنما شخصت ما شابه من هفوات تنظيمية، وسلطت الضوء على التجاوزات التي حصلت في بعض المراكز، وناقشت بشكل مستفيض مخاطر إستخدام بعض الجماعات للدين في لعبة السياسة، كما ركزت على ما حدث للبرادعي وإستقبلت إتصالاً من أحد الناشطين في حملته الذي روى ما حدث بالتفصيل، وإستغرابه من عدم تأمين الجيش للمركز من الخارج وإكتفاؤه بتأمين المركز من الداخل فقط، وعدمالإهتمام بتأمين وصول البرادعي رغم طلبمعاونيه بذلك من المسؤولعن امن المركزمن الجيش،وإتهم الناشط بلطجية بالهجوم الذي شن عليهم، كما نفى أن يكون للسلفيين علاقة بما حدث.
وتحدثت دينا عن الإعلام الرسمي ودوره في تشويه سمعة البرادعي والإيحاء للمصريين بأنه يحمل جنسية أميركية وأن إنتماؤه خارجي.
وتحدثت دينا كذلك عن جماعات دينية وزعت مواد تموينية على بعض المواطنين ليصوتوا بنعم، وقالت أن البعض الآخر صوت بنعم لأنه كان يعتقد بأنه إن قال لا فإنه يقول لا للإسلام.
دريم بالأمس كان متأخرة في نقل الصورة، لأنها فضلت الإلتزام ببرمجتها العادية، فجاءت التقارير التي عرضت في العاشرة مساءً وصباح دريم مكررة لما شاهدناه قبل ساعات على قنوات أخرى، ولم تقدم جديداً للمشاهد وهو أمر لم نتعوده من قناة تميزت في تغطيتها لأحداث الثورة.

من يتابع التلفزيونات الخاصة المصرية اليوم يشعر بتحول إيجابي، ويشعر بأن هذا الإعلام بدأ بممارسة دوره في التوعية الإجتماعية، فـ quot;أون تي فيquot; مثلاًتبث إعلانات لناشط في حقوق الإنسان توعي الشعب المصري بحقه في حرية التعبير وما تعنيه هذه الجملة. وما تعنيه الدولة المدنية، وغيرها من المباديء الجديدة التي يمكن أن تؤسس لوعي مجتمعي سليم لدولة مدنية عصرية.
بالإضافة لإعلانات يظهر فيها مواطنون عاديون يتحدثون عن أنفسهم على أنهم كانوا جزءً من النظام بسبب ممارسات إجتماعية خاطئة كانوا يقترفونها كالتسلط والنفاق والكذب والرشوة وسوء التصرف في الشارع وغيرها وينتهي كل إعلان بجملة مصر بتتغير وأنا أيضاً أتغير.
وهناك إعلانات حكومية أخرى تبثها كل المحطات تحث على التعاون بين الشعب والشرطة، وتحاول تغيير صورة الشرطة في نظر الشعب.
كل قناة تبث رسالة توعية وتتبناها بطريقتها، من منطلق إدارك الجميع بأن نجاح الثورة والتغيير الحقيقي بحاجة لوعي من الشارع المصري بكل فئاته فهناك نسبة كبيرة سميت بالأغلبية الصامتة لا تمتلك الوعي السياسي الكافي، ولم تتعود على الممارسات الديموقراطية، بدليل أن المؤشرات الأولية تدل على إكتساح كبير لنسبة المصوتين بنعم بشكل يظهر شرعية مخاوف المرشحين للرئاسة والأحزاب الذين حذروا بأن الشارع المصري ليس جاهزاً بعد لإنتخابات مجلس شعب يرقى لمستوى طموح شباب الثورة ومن شاركوا بها، لأن هذه الفئة لازالت غير منظمة وبعيدة عن الشارع الذي تتحكم به قوتين كبيرتين وهي الحزب الوطني الذي يجيد لعبة الحشد، والجماعات الدينية التي تجيد إٍستخدام لغة الدين في توجيه الناس للتصويت بما تريد.
إذا كانت إجابة الشارع المصري القاطعة quot;بنعمquot; على الإستفتاء، ونعتقد بأنها ستكون كذلك، فعلى الإعلام أن يتكاتف مع جميع القوى السياسة الناشئة في مصر للقيام بدورهم في توعية الشارع بحقوقه السياسية والإجتماعية، وكيف يستخدم صوته لينتخب برنامج إنتخابي يحقق طموحاته كمواطن ولا يعطي صوته لشخص أو جماعة بغض النظر عما ستحققه له، ولا يكون ثمن صوته وجبة أو بطانية أو حفنة جنيهات، أو تخوف على دينه أو طائفته.