عبدالعظيم محمود حنفي

شاهدت الرئيس السوري وهو يلقي ما وصفته أجهزة اعلامه بالتوجيهات التي يلقيها الرئيس -رغم انه مريض كما قال هو- استلفت نظري مشهد الرئيس وامامه وزراؤه هو يتحدث من ورقة مكتوبة والوزراء يكتبون كل كلمة يقولها الرئيس (الملهم) بالنفائس والدرر! ولا استطيع ان اقول كانهم طلاب جامعة امام دكتور لكن المشهد مستفز فهم تلاميذ فاشلون امام مدرس يجتهد في الخروج من ازمة ولاحظت ان بعض الوزراء عندما تفوته كلمة من الرئيس يلتفت الى زميله بجواره لينظر ما هي الكلمة التي فاتته. ماذا يعني ذلك المشهد الافتتاحي? اننا ازاء ازمة في ادارة الحكم وفي ادارة الدولة فالحديث يدور حول محاضرة سيئة علميا في الادارة ولا تملك رؤية ستراتيجية لانتقال سورية الى حكم المؤسسات وليس هناك سوى امان بتحسين معاملة المواطن الذي خرج ثائرا غاضبا للتغيير والتقدم لسورية بكل اطيافها. قلت لنفسي لعل الرجل الذي بدا مجتهدا في محاولة تقديم ما يرضي ولو كان شحيحا ونزرا قليلا لعله يقول شيئا رشيدا يخفف من هول ما يلاقيه ذلك الشعب الابي توسلت الى الكلمات حاولت ان استخرج معاني ودلالات وحاولت ان ارجو حتى الحروف وحاولت واعدت المحاولة وانا اغالط نفسي فلم افلح لا في المضمون ولا في الشكل ومن هنا فان الرئيس السوري يفتقد حتى المستشارين الاذكياء.
ايها الرئيس الأزمة واضحة فنظامك يتعرض إلى مجموعة من العوامل أولها : المدخلات والتي تتمثل أساساً فى انعدام التاييد الا من قلة من المنتفعين وازدياد المطالب المشروعة والملحة المقدمة إلى النظام التي طال الصبرعليها والابتلاء بها , وثانيها استجابة النظام السلبية التي لا تستجيب حتى للحد الأدنى للمطالب الملحة المقدمة إليه, من الجماهير ومن ثم فإن الاستجابات المخرجات سلبية , ثالثها : التغذية العكسية وتشير إلى تدفق المعلومات من البيئة الى النظام السياسي عن نتائج أفعاله والآثار التي أحدثتها قراراته وسياساته وهي استمرار المظاهرات وازدياد الثورة اشتعالا وتوهجا وزيادة الاعداد الغفيرة المنضمة اليها والمندفعة فيها والنتيجة ليس هناك توازن بين مدخلات النظام ومخرجاته الامر الذي يؤدي الى ازمة في شرعيته ما ادى الى خروج الناس عليه وعدم قدرته على التكيف الخلاق مع تلك المطالب البالغة الالحاح .
ولا اريد ان اظلم النظام السوري او اتحامل عليه ولكني احيله الى عدد من المؤشرات الدالة على ان هذا النظام فقد شرعيته ولم يعد مقبولا بشكله الحالي من الشعب السوري واهمها مؤشرات العنف السياسي وازدياد الاعداد في المظاهرات تدريجيا وبصورة متتالية وازدياد اعداد المدن المنتفضة ثم انخفاض مؤشر التوجه نحو الشرعية البنيوية حيث لا يوجد حكم مؤسسات وتدني مؤشر الشرعية الادائية للنظام عبر مؤشرات اقتصادية سلبية للاداء الاقتصادي وكلها تعبر عن ازياد اعداد البطالة واعداد الفقراء والتهميش لاعداد متزايدة من الشعب السوري والشباب السوري ثم اعتماد النظام على ان واشنطن وتابعاتها من الدول الغربية لا تريد الضغط عليه لاسباب عدة وايران تدعمه ومن هنا المفارقة الغريمان يتفقان على ضخ اكسجين لابقاء النظام في غرفة الانعاش وعدم اعلان وفاته وتشييعه الى مثواه الاخير وكل له اسبابه -التي سنتاولها فيما بعد في تحليل منفصل- ومؤشر تدني نصيب الفرد من الناتج القومي.
وهناك مؤشر quot;جينيquot; الذي يعبر عن الافتقاد الكبير في عدالة توزيع الدخل بين زمرة حاكمة تستأثر بكل شيء واكثرية لا تاخذ سوى الفتات مع تدني مؤشر التعددية السياسية حيث الحزب البعثي المستاثر بالسلطة والثروة .وازدياد مديونية الدولة كما ان هناك مؤشر مدى التوسع في برامج الخصخصة ادى الى مزيد من الفساد والتربح لغياب الرقابة والشفافية .
ان النظام السوري به هياكل مؤسسية تشابه البنية المؤسسية لنسق الحكم الصالح لكن مع قيام ذلك النظام بتعطيل هذه المؤسسات عن القيام بمهامها الأصلية ومن اكثر اشكال فساد الحكم انتشاراً في هذا النظام تحور وظائف جهازي الجيش والشرطة ونموها سرطانيا حيث صارا أجهزة حماية هيكل قوى قهري يسيطر على مقدرات المجتمع مع تهميش غالبية المجتمع أو قمعهم ويترتب على ذلك ان تصبح هاتان المؤسستان أهم دعائم نسق فاسد للحكم مهمتهما الأولى تأمين الحاكم ولو بالترويع والتخويف بينما تركتا باقى الأجهزة الحكومية السورية فريسة للإهمال ولقلة الكفاءة وتكون النتيجة ان الخدمات التي تقدم للجماهير من باقي الاجهزة الحكومية تتسم بالقصور وانعدام الكفاءة ما يجعل السخط على النظام من الجماهير لتعطل مصالحها. فالمعروف ان كفاءة الاجهزة الحكومية وحسن تعاملها مع الجماهير عنصر اساسي من عناصر السخط أو الرضاء عن النظام ويتولد عن استمرار وتكرار قلة الكفاءة او انعدامها تنامي السخط ومن ثم فإن قياس كفاءة الاجهزة الحكومية التي تتعامل مباشرة مع الجماهير تعد من أهم المؤشرات على رضاء الجماهير او سخطها وهو ما حاول الرئيس السوري عبثا تداركه رغم تحشيد اعلامه الفاشل البائس والسؤال لماذا مكتوب عليه الفشل? لانه في نسق الحكم الفاسد تنتهك الحقوق والحريات الانسانية ويضيق الخناق على حريات التعبير والتنظيم بحيث تضعف المؤسسات المجتمعية التي تزدهر في مناخ الحريات مثل وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني .ويترتب على فساد نسق الحكم كذلك استشراء الفساد الاقتصادي والاجتماعي بمعنى تخصيص الموارد وهي نادرة وتوزيع الناتج وهو نادر وتوزيع الناتج في المجتمع السوري وهو محدود تبعاً لاعتبارات غير الكفاءة والصالح العام وقد تزايدت في سورية في اطار سياسات التحرير الاقتصادي والخصخصة المشوهة وحكم مماليك النظام وعمادها اسرة الرئيس .