علي الظفيري

هل يحتاج القاتل لقانون طوارئ كي يمارس هوايته في القتل والتعذيب؟ قطعا لا يحتاج ذلك، فهو ما إن أوقف العمل بالقانون سيئ الذكر حتى استفتح عهده laquo;الإصلاحيraquo; الجديد بأرواح مئة شهيد سوري!، أبى أن تخلو مائدة الجمعة العظيمة من دماء الثائرين وعظامهم المطحونة، انحاز الجزار في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ البلاد لتركيبته الجينية القائمة على الإبادة، ما عادت الضحكات الزائفة والكلام المنمق يجديان أمام هدير الجماهير الثائرة، قضى ليلته تلك مرعوبا وراودته كل الكوابيس، ظهر له من يذكره بالوصية، ويحثه على إعادة قراءتها، كان النص واضحا لا لبس فيه، المشانق ستعلق في دمشق قريبا ولا ريب، ثمة من سيعلق الآخر!
جمعة الآلام ليست نهاية المطاف، والدماء التي ارتوى منها حكام دمشق لن تكون آخر الدماء، قائمة طويلة من الأحرار رهنت حياتها للثورة، هذا شعب أعلن قطيعة دائمة ونهائية مع شبح الرعب والخوف، ولا شيء يقف في وجهه بعد اليوم، سقطت كل الأوهام الساكنة فيه، الفتنة الطائفية، التدخل الأجنبي، الفوضى والانفلات، عار على الشعوب أن تقبل بأبشع أنواع الذل والهوان والانتهازية المقيتة، لصالح من يبشر بالفوضى!
ماذا عن البحرين؟ ماذا عن تعداد الشهداء الذي لم يتوقف، حتى بعد أن توقف كل شيء!، بين يوم وآخر ترد أخبار عن قتلى في المعتقلات، وقد كان الموت المحطة الأخيرة التي وصلتها تلك الأرواح، وما بين الاعتقال والموت مشوار أليم وقاسٍ دون شك، وفي الإعلام الرسمي حملة اجتثاث مسعورة، تعرض أسماء الرياضيين والمعلمين والمهنيين ممن شاركوا في المظاهرات بغرض إدانتهم، لقد حولوا من مظاهرات سلمية رغم انحرافٍ ndash;ليست المعارضة وحدها مسؤولة عنهndash; إلى حفلة تخوين لا تنتهي!، ماذا يريدون في نهاية الأمر؟ وكيف؟ هل يعقل أن نغرق في وحل إدانة الشيعة البحرينيين ودفعهم لإيران؟ وهل ننسى من صوّت يوما على عروبة البحرين واستقلالها؟ هل يسأل السجان نفسه السؤال التالي: ماذا ينتظره في الغد؟ وماذا تزرع فرقه الأمنية في نفوس أطفال البحرينيين من حقد وكره ورغبة بالانتقام؟ وكيف ستكون المعالجة لكل هذا!؟
أعرف أن مواطنين سنة ظلموا وتأذوا كثيرا مما جرى، وآخرين يربطون بين ما يجري خارج البحرين وداخلها، ويطرحون أسئلة جدية ومهمة، لماذا وقف النواب الشيعة في الكويت ndash;باستثناء حسن جوهرndash; مع ضرب الحكومة للأكاديميين والنواب هناك بحجة تطبيق القانون!، ولماذا يتحالفون مع حكومة يرفضها نصف الشعب الكويتي لأسباب laquo;تكتيكيةraquo; ولتحقيق أغراض فئوية ndash;رغم نيلهم الحقوق الكاملة كغيرهم من المواطنينndash; وينتفضون فجأة لما يتعرض له أهل البحرين!، ولماذا صمت حزبُ الله ndash;لأسباب مذهبية وسياسيةndash; على قتل السنة في العراق!، ولماذا يقف تيار سياسي شيعي عريض صامتا ومتحالفا مع النظام السوري!، ويمتد الأمر لإيران نفسها والحقوق المغتصبة للمواطنين السنة فيها!
أعرف أن الأمر سيختلط على البعض، ويقرأ العرض أعلاه كمحاولة لكسب تيارين على طرفي نقيض، أو يفسره كازدواجية وتناقض موقفي، وهو لا هذا ولا ذاك، إنه رسالة لكل من تقبل أخلاقه وقِيمه القسمة، وكل من يرى بعين واحدة، وكل من تنتفض مروءته وكرامته أمام مظلومية دون الأخرى!، ما يتعرض له أهلنا في البحرين ظلم لا نقاش فيه، والموقف الشعبي الخليجي تجاه تلك المظالم عار كبير، وربط المطالب الشعبية البحرينية بهواجس إقليمية ليس سوى محاولة لتبرئة النفس من الظلم الكبير الذي وقعت فيه بعدم نصرة الحق والانحياز للظلم والظلمة، أما استحضار القضية الأحوازية والتهويل من إيران فهذا خلط ودعاية رسمية laquo;تجد رواجا شعبياraquo; لكنها مكشوفة وعارية تماما عن الصحة، لا يتحدث عن المظالم من يدعو لها!
اختلطت الأمور كثيرا في الثورات الشعبية، ووقع معظمنا في الأخطاء، لكن الحق لا يعرف بالرجال بل يعرف الرجالُ بالحق، وهو أولى أن يكون قبلة الجميع وغايتهم، وما علينا سوى أن نضبط البوصلة جيدا هذه الأيام، وأن لا ننحاز للخلط والدعايات المقيتة ومعاشر الطائفيين الذين ازدهر نشاطهم مؤخرا، المذاهب والانتماءات الضيقة ليست أوطانا بل سجونا سوداء نقبع فيها ونُستغل عبرها أبشع استغلال، الوطن شيء أكبر وأجمل وأنبل من هذا، ولا أحد فينا يحتكر ملكيته، الوطن كرامة الإنسان وحريته وعمله ومساواته، وأي شعب يثور من أجل وطن حقيقي، سيساعدنا نحن في الحصول على هذا الوطن.