فايز رشيد


كان لافتاً للنظر خطاب السفير الفرنسي في الأمم المتحدة جيرار أرو، الذي ألقى خطابا في مجلس الأمن (الجمعة 22 أبريل) أبدى فيه استعداد فرنسا للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، وذلك في إشارة إلى المشروع الذي تعتزم السلطة الفلسطينية تقديمه، إلى المنظمة الدولية في سبتمبر القادم.
قال المندوب الفرنسي في معرض خطابه quot;إن مثل هذه الخطوة ستسمح بخلق أفق سياسي، إلى جانب استئناف المسيرة السلمية مع إسرائيلquot;.
من ناحية ثانية، فإن العديد من المراقبين يرون أن استعداد باريس للاعتراف بدولة فلسطينية، يرتبط بالعديد من العوامل ولعل من أبرزها:
أولاً: ترى باريس أن الوضع السياسي داخل فلسطين أصبح ناضجاً من أجل إعلان الدولة، وتوفير الاعتراف الدولي بها، حتى لو تم ذلك من غير اتفاق سلام، تستند فرنسا في هذه النقطة إلى ما تعتبره نجاحاً لسلام فياض في إقامة البنية التحتية لهذه الدولة، خاصة بوجود 3 تقارير دولية إيجابية تعكس الخطوات التي تم إنجازها، صادرة مؤخراً عن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والممثلية الأوروبية.
ثانياً: اعتقاد باريس بأن ثمة فرصة كبيرة لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، بسبب التغييرات التي يشهدها العالم العربي، وانعكاس ذلك على إمكانية قيام تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، فمن المنظور الفرنسي: إنه لم يعد من الجائز استمرار الموضوع الفلسطيني معلقاً إلى ما لا نهاية، وحتى بروز حكومة إسرائيلية تكون قادرة على اتخاذ قرار بتحقيق التسوية، فكيف يمكن للغرب أن ينصّب نفسه مدافعاً عن حرية الإنسان والتعبير والإصلاح في البلدان العربية، وأن يغض الطرف عن الاستيطان، وعن وضع الشعب الفلسطيني ومطالبته بدولة؟
ثالثاً: أسباب فرنسية داخلية، فمع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، التي ستجري في العام القادم، وتأخر الرئيس ساركوزي عن منافسيه، وفقاً لاستطلاعات الرأي، تجعله في حاجة إلى إنجازات سياسية خارجية يعتمد عليها في سبيل انتصارات سياسية داخلية، ولذلك قامت الطوافات والمدرعات العسكرية الفرنسية بخلع لوران غباغبو عن الرئاسة في ساحل العاج، ولذلك يأمل الرئيس الفرنسي بخلع القذافي، وفرنسا إحدى الدول القليلة التي اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الليبي، ولذلك تحرص فرنسا على اتخاذ مبادرة سياسية خلال الأسابيع القادمة، من أجل تسهيل العودة إلى أوضاع مغايرة تماماً لما حصل حتى الآن بين الفلسطينيين وإسرائيل، وذلك من خلال إيجاد آليات للوصول إلى دولة فلسطينية وتطبيق المحددات المعروفة والمقبولة دولياً للحل: أي إقامة دولة على حدود عام 1967، مع تبادل محدود للأراضي، وضمانات آمنية للطرفين، وحل مقبول لموضوع اللاجئين والقدس وقضايا الخلاف الأخرى.
الموقف الفرنسي يعتبر اختراقاً كبيراً لمواقف الدول الغربية الأخرى، خاصة ألمانيا،التي تعتبر أن مثل هذا الموقف: خطأ، وكذلك للولايات المتحدة التي هددت السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات عنها، وبمعاقبتها إذا ما أصرّت على طرح الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وحسب تقرير فيquot;نيويورك تايمزquot; تم نشره الأسبوع الماضي، فإن مشاورات مكثفة تجري حالياً في أوساط الإدارة الأمريكية، تمهيداً لعرض خطة سياسية لأوباما، تكون أساساً للحل بين إسرائيل والفلسطينيين، ووفقاً لنفس الصحيفة فإن عناصر هذه الخطة تتمثل في:اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية في حدود 67، وتخلي الفلسطينيين عن حق العودة للاجئين، والإعلان عن القدس كعاصمة للدولتين.
نتنياهو من جانبه وكما أعلنت أوساط في مكتبه، يدرس حالياً إمكانية الانسحاب من بعض المناطق في الضفة الغربية، وذلك لقطع الطريق على خطة السلطة الفلسطينية.
الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية والمشروع برمته سيصطدم بالرفض الأمريكي له، جملة وتفصيلاً، بالطبع فإن واشنطن ستحاول الالتفاف على الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة، حتى لا يتم إحراجها عربياً (خاصة في زمن التغييرات الثورية الجذرية العربية)، وذلك من خلال تقديم مشروع سياسي جديد (كما أشارت النيويورك تايمز)، هذا المشروع من جانبه سيواجه ضغطاً كبيراً من الصقور تحديداً في الإدارة الأمريكية، ومن الكونغرس، ومن المستشار الأكبر لأوباما لشؤون الشرق الأوسط دينيس روس، بدعوى أن مثل هذه الخطة سيرفضها الطرفان، وبذلك ستضعف سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.
من زاوية ثانية، أعلنت السلطة الفلسطينية أن ما يقارب (142) دولة على الصعيد العالمي، ستعترف بالدولة الفلسطينية العتيدة، المقصود القول: إن المعركة الدبلوماسية لموضوع الاعتراف ستكون قاسية وصعبة، والموضوع برمته مفتوح على احتمالات عديدة، غير أن الثابت أن دائرة المعترفين بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم تتسع يوماً بعد يوم.