سمر المقرن

كان من المتوقع لدى كثيرين أن تمتد عدوى المظاهرات إلى سوريا. كما كان من المتوقع أيضا أن ينفجر حمام الدم هناك مثل ما حدث في الأيام الأخيرة، عندما سقط 70 قتيلاً دفعة واحدة. بالإضافة إلى مئات من الجرحى والمصابين بين إصابات مميتة وخفيفة. كل هذا في يوم واحد لدى المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في درعا. وقد زاد حمام الدم هذا من المشكلة، فخرجت مظاهرات جديدة في عدد من المدن السورية بينها دمشق وحمص والقامشلي. مشهد الدم وهو يسيل كان مريعاً، وقد أعاد للذاكرة الجمعية أحداث فبراير 1982 عندما ارتكب الجيش السوري مذبحة حماة، والتي وصفها عدد من كتاب الصحف الغربية بأنها مجزرة نادرة الحدوث في العصر الحديث. والتي تم التكتم على أحداثها لولا ذلك الصحافي الذكي شارل بوبيت من صحيفة لبراسيون الفرنسية، والذي سمع بالمجزرة فاستطاع بحيلة ذكية أن يكون الصحافي الوحيد من بين العرب والأجانب الذي استطاع أن يدخل تلك المدينة بعد المذبحة البشعة. فعل ذلك وقد كان في دمشق فاستقل الحافلة المتجهة إلى حلب. وعندما وصلت الحافلة إلى حمص نزل في مقهى للاستراحة فاختفى بوبيت وترك الحافلة، ثم استقل تاكسي إلى حماة، وتظاهر بأنه من السواح الذين يتجولون في المنطقة لمشاهدة الآثار. فقضى في المدينة ما يحتاجه من وقت لكتابة القصة ثم سلم نفسه للسلطات السورية، وبعدها عاد لفرنسا ليكتب للناس تلك القصة المريعة التي راح ضحيتها ما بين 20 ألفاً إلى 40 ألفاً وبقي 15 ألفاً في عداد المفقودين.
هل أتوقع أن تتكرر هذه المأساة في هذه الأيام؟ الجواب هو نعم، بل إن المذابح قد بدأت بالفعل، ولا أتصور أنها ستتوقف بل ستتوسع وتكبر، وقد تكون أبشع بكثير من مأساة حماة. لأنها ستعم كل سوريا وليس مدينة بعينها. وربما انفجر الشريط الذي يحوي الأقلية الكردية المقيمة على الحدود مع العراق. فالكل يحلم عن الحلم الكردي في إقامة دولة قومية تقتطع من العراق وسوريا وتركيا وإيران. وبلا شك أن مثل هذه الأحداث ستشجع على الانفجار والثورة. وسنرى مشهداً أبشع مما يحدث في ليبيا من رعب وتهديد بالتقسيم. وفي منطقة يصعب على حلف الناتو أن يتدخل فيها!
هذا هو المتوقع ما لم تتحرك الجامعة العربية لوقف حمام الدم. ورأب الصدع ومحاولة لمّ البيت السوري لمستوى سقف المطالب الدنيا التي يتفق عليها الجميع. بعيداً عن أي تأثير للأيدي الفارسية التي لا تريد لمنطقتنا إلا القلاقل والفتن. ولعل هذه الفتنة تكون باب خير. بحيث تكون السبب في عودة سوريا كاملة للبيت العربي. سواء بقيت بنظامها الحالي الذي يتعين عليه إجراء إصلاحات شاملة في حال موافقة السوريين على بقائه. أو في ظل مجيء حكومة سورية أخرى. هذا بطبيعة الحال مرده إلى السوريين فهم من يحدد مصيرهم ولا تأثير لأحد عليهم.