مكرم محمد أحمد

منذ أن اعلنت القاهرة مفاجأة قبول حماس وفتح التوقيع بالأحرف الأولي علي اتفاق المصالحة الوطنية بعد تعثر دام عدة سنوات, والإسرائيليون لا يكفون عن التحريض علي الاتفاق, يشنون الحملات علي الرئيس الفلسطيني محمود عباس, ويتهمونه بالنكوص عن عملية التسوية التي تقف محلك سر منذ مجيء بنيامين نيتانياهو إلي الحكم!
ويثيرون مخاوف وشكوك الإدارة الأمريكية من نيات السلطة الفلسطينية, ويحرضون الكونجرس علي وقف المعونة الأمريكية التي تصل قيمتها السنوية إلي حدود400 مليون دولار, بدعوي ان جانبا من المساعدات سوف تستفيد منه حماس التي تصنفها واشنطن ضمن المنظمات الإرهابية, ويخططون للامتناع عن دفع عوائد الرسوم الجمركية التي يتم تحصيلها في المنافذ والمعابر الإسرائيلية لحساب السلطة الوطنية ليزيدوا من مصاعب الرئيس الفلسطيني.
ومايثير حنق الإسرائيليين, ليس فقط ان الاتفاق جاء مفاجأة كاملة لهم, ولكن نجاح مصر السريع في اقتناص متغيرات اقليمية مهمة تتعلق بقلق حماس المتزايد من تطورات الموقف الداخلي في سوريا, والضغوط المتزايدة لشباب الفلسطينيين علي كل من المنظمتين, حماس وفتح, للاسراع بالمصالحة التي عبرت عن نفسها بالمظاهرات الضخمة التي خرجت في كل قطاع غزة والضفة في منتصف مارس الماضي, ترفض تلكؤ الجانبين في تحقيق وحدة الموقف الفلسطيني.. أحسنت القاهرة استثمار هذه المتغيرات لتنهي في سرية كاملة كل الخلافات المعلقة مع حماس دون اي تغيير في بنود ورقة المصالحة المصرية التي ضمت ملاحظات حماس باعتبارها جزءا مكملا للورقة المصرية لتنتهي في غضون ساعات مشكلة اعاقت الاتفاق اعواما.
وأكثر ما تخشاه إسرائيل الآن, ان يؤدي نجاح المصالحة إلي إنهاء الوضع الانفصالي الراهن لحساب موقف فلسطيني موحد, يعزز طلب الفلسطينيين اعترافا دوليا واسعا بدولتهم المستقلة في سبتمبر المقبل داخل الأمم المتحدة, وينهي كل الذرائع التي كانت تمكن إسرائيل من تعليق أسباب فشل جهود التسوية علي انقسام الموقف الفلسطيني, ولهذه الاسباب سوف تفعل إسرائيل كل ما تستطيع إفشال الاتفاق وتعويق تنفيذه, خاصة إذا تمكنت مصر من اقناع الجانبين بالمضي قدما في توحيد الأجهزة الأمنية لصالح الدولة الفلسطينية!
ويبقي السؤال الملح, ماهي ضمانات النجاح لاتفاق المصالحة الأخير ان كان الجانبان فتح وحماس وقعا قبل ذلك في جدة وصنعاء اتفاقين مماثلين لم يستمر اي منهما سوي أيام معدودات.
أظن ان الاجابة الصحيحة تكمن في التغييرات المهمة التي طرأت علي الوضع الاقليمي, وجعلت كلا من التنظيمين يدرك جيدا انه لم يعد هناك بديل عن المصالحة.