سمير الحجاوي


يمضي الرئيس السوري بشار الأسد في استراتيجيه الرامية لسحق المظاهرات الاحتجاجية ضد حكمه وحكم حزب البعث بالقوة المسلحة، وسط تعتيم إعلامي وعمليات قتل واعتقالات أدت حتى الآن إلى مقتل 453 شخصا واعتقال 5000 آخرين حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي استراتيجية تغرق البلاد في الدم والدموع والمعاناة.
فدبابات الجيش اجتاحت مدينة درعا وكأنها تريد تحريرها من الشعب، ومعها آلاف الجنود وقوات الأمن والقناصة وميلشيات quot;الشبيحةquot;، وأقامت الحواجز وقطعت الطرق، وأطلقت النار على خزانات المياه ومنعت وصول الأدوية، واعتقلت الجرحى.. في سلسلة من الانتهاكات التي يعاقب عليها القانون الدولي، في مشهد تكرر في مدينة دوما التي دخلتها القوات المسلحة على ظهور الدبابات حاملة رشاشات ثقيلة، ونشر دبابات على المرتفعات المحيطة بمدينة بانياس وكأنه يستعد لخوض حرب ضد قوات عسكرية معادية.
للأسف الشديد فإن المشهد في سوريا يمتد من ليبيا إلى اليمن بخيط من الدم يربط درعا بمصراتة التي تقصف بالصورايخ وكان جيشا مسلحا يتمترس فيها، أو صنعاء التي أغرقها القناصة بالدم.
هل يعقل أن تخرج حرائر العرب في درعا ودوما في مظاهرات للمطالبة برفع الحصار عن المدينتين وإطلاق سراح المعتقلين. فخروج نساء العرب للتظاهر يعني أن الأمور وصلت إلى الحائط الأخير، وأن المعاناة وصلت إلى ذروتها وأن النظام يقاتل بالسلاح والدبابات شعبا اعزلا، بطرق التجييش والحشد العسكري، أو كما قال القذافي إعلان الحرب من الصحراء إلى الصحراء، ولكن على الشعب.
النظام السوري خسر معركته مسبقا مع الشعب، فمنازلة الشعب في الشوارع تعني الخسارة الأكيدة لأي نظام في العالم، ولم يسجل التاريخ أن نظام حكم استطاع أن ينتصر على الشعب، ولذلك فإن نظام الأسد والى جانبه القذافي وصالح سيهزمون، لأن المنطق والعدل وسنن الحياة تقول إن حاكما فردا لا يستطيع أن ينتصر على شعب بأكمله.
على أية حال ما يجري في سوريا حاليا يسير نحو التدويل، فمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سيبحث قضية استهداف المدنيين من قبل الأمن والجيش، وبعد ذلك ستنقل القضية إلى مجلس الأمن، مع وجود دول تريد إصدار قرار لحماية المدنيين، ودول تعمل على فرض عقوبات على النظام السوري وأركانه، وإقامة دعوى في محكمة الجنايات الدولية ضد أركان النظام السوري بتهم انتهاك حقوق السوريين.
مشكلة نظام الأسد أنه احرق مراكبه quot;ولم يترك للصلح مطرحquot; كما يقول المثل، وهذا يجعل من سقوط النظام مسالة حتمية حتى ولو ارتفعت كلفة الدم في الشوارع والمدن، فهذا النظام الذي اعترف أن مطالب الناس مشروعة في البداية وقرر عدم إطلاق النار عليهم، عاد لينقلب على ما اقر به في البداية ليعتبرها مطالب quot;مندسين ومخربينquot; وعصابات مسلحة سلفية لا تستحق سوى الرصاص والدم.
لا استطيع أن أقدم نصائح للنظام السوري في كيفية الخروج من الأزمة أو التصالح مع الشعب، لأن وقت النصائح قد ولى، ولكن المطلوب من نظام الأسد ألا يوغل في الدم لأن ذلك لن يمنع سقوط نظامه، وسيحاسب عليه بالتأكيد.. ما زال في يد بشار الأسد ورقة واحدة يستطيع أن يلعبها ألا وهي أن يتنازل نظام البعث عن السلطة بشكل منظم وهادئ بدون إراقة دماء، وألا يترك البلد ومقدراته بيد الأجهزة الأمنية التي تغرق الشعب بالرصاص والدم.