علي حماده
كلّما قتل النظام في سوريا مواطنين عزلاً في المدن والبلدات والقرى تعمق الصدع الوطني الذي يفصل بينه والشعب. فمع ازدياد وتيرة القتل المتعمد يشعر الذين وقفوا على الحياد في الاسابيع الخمسة الاولى للثورة بأنهم مدفوعون الى التضامن مع ابناء الوطن الذين يسقطون برصاص الامن والمخابرات وبعض الفرق العسكرية ذات الولاء القبلي.
و كلما واصل النظام انتهاج الحل الامني، امعن في افراغ القرارات السياسية التي جرى اتخاذها بضغط من الشارع من محتواها. وعلى سبيل المثال يبقى رفع الطوارئ مجرد حبر على ورق ما دامت الممارسة على الارض نقيض ذلك. وبالطبع فإن كل ما وضعه الرئيس بشار الاسد في ما يسمى quot;السلة الاصلاحيةquot; قد فقد صداه في ظل انزلاق النظام في اتجاه الاحتكام الى السلاح، سبيلا لوقف الحركة الاحتجاجية التي تحوّلت اليوم ثورة حقيقية. وخطورة استخدام السلاح وقتل المدنيين العزل في سوريا تكمن ايضا في الانقسام العمودي الذي تشهده البلاد بين اتباع النظام وبقية مكونات الشعب في كل مكان. وخوفنا ان يكون هذا التوجه العنفي مدخلا لتطورات دراماتيكية شبيهة بالحالة الليبية.
ان الحل الامني الدموي لن يحل الازمة الكبرى التي تعيشها سوريا راهنا. ولن يزيد النظام شعبية، ولن يعيد الناس الى بيوتهم. وما لم يقتنع النظام بأن الامن الوطني يحميه توافق سياسي واسع يقوم على قاعدة اصلاحية تغييرية، فإن الحل الامني سيكون بمثابة مادة مشتعلة تصب على النار فتزيدها اشتعالا.
ومن المؤسف حقا ان يستعيد الاسد الابن quot;مزاياquot; والده الراحل في معالجة قضايا سوريا في زمن ما عاد من الممكن، حتى بالحمايات غير المنظورة التي يوفرها الاصدقاء وquot;الاعداءquot; على حد سواء، الافلات من ازمة بإغراق البلاد في حمام من الدم، واعادة قفل ابواب السجن العربي الكبير. والسجن الكبير هذا يتم هدم جدارنه يوما بعد يوم بالصدور العارية التي تواجه الرصاص الحي من درعا الى حمص وغيرها من مدن ثورة الحرية والكرامة.
وان وصف المحتجين العزل بالارهابيين عبر quot;بروباغانداquot; النظام السوفياتية النمط لن يغير في الحقيقة شيئاً في زمن ثورة الاتصالات التي ربحها المواطنون العاديون في المدن والقرى والبلدات، وبالتالي فإن تغطية القتل المتعمد بروايات تفتقر الى ادنى صدقية ستكون له مفاعيل عكسية داخليا وخارجيا.
ان سوريا تعيش ازمة عميقة، وعلاجها لا يكون بغير إصلاحات تغييرية جذرية تنقل البلاد من زمن ستاليني الى زمن حريات. وأقلّ من ذلك سيكون مجرد قبض ريح، فمن خرج الى الشارع من الخامس عشر من آذار الماضي لن يستكين قبل ان يشعر بأن تلك الدماء التي قدمت على مذبح الحرية والكرامة ما ذهبت هدرا. آن الاوان لكي يستفيق النظام من اوهام، وآن الاوان لكي يصدر الاسد الابن البلاغ رقم واحد للثورة على quot;ارثquot; صار عبئا عليه وعلى كل السوريينhellip; قبل ان يفوته القطار.
التعليقات