سعيد حارب

بلا مقدمات أو ضجيج إعلامي أعلن الفلسطينيون اتفاقهم حول المصالحة، وقد تلقى الجميع تلك المفاجأة بالرضا والفرح، وحدها laquo;إسرائيلraquo; التي أصيبت بالصدمة من هذا الخبر، فلم تكن تتوقع أن يصل الفلسطينيون إلى اتفاق بهذه السرعة، وهي التي عملت خلال الفترة الماضية على استغلال الشقاق الفلسطيني لتمرير أجندتها السياسية والاستيطانية، فأقامت عشرات المستعمرات داخل أراضي الضفة الغربية المحتلة، وكانت تأمل استمرار هذا الشقاق حتى تستطيع أن تبرر أعمالها العدوانية، مستغلة حالة الاضطراب التي يعيشها العرب، فما الذي حدث حتى دفع الفلسطينيين للاتفاق على المصالحة؟
لا شك أن هناك عوامل داخلية وإقليمية دفعتهم إلى الإسراع في المصالحة، ولعل في مقدمة هذه الأسباب التحولات التي تشهدها المنطقة العربية من ثورات وتحولات كبرى انعكست آثارها على القضية الفلسطينية، وفي مقدمة هذه التحولات سقوط النظام المصري السابق بثورة شعبية لها رؤيتها الخاصة للقضية الفلسطينية، فقد كانت مصر تمسك بملف المصالحة الفلسطينية، وكان عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية السابق يتولى هذا الملف ويستخدمه لتمرير أجندته الخاصة، فقد كان يقدم نفسه للأميركيين والإسرائيليين على أنه الرجل القوي في النظام المصري السابق, ويهيئ نفسه بديلا عن الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولذلك حرص على فرض الرؤية الأميركية والإسرائيلية على مسار المفاوضات ليقول لهم إنه laquo;الرجلraquo; القادر على ضبط الشأن الفلسطيني، ورغم نفي القيادة المصرية السابقة فإن انحيازها لطرف السلطة الفلسطينية كان واضحا في محاولة فرض الاتفاق على حماس، التي رفضته وفق رؤيتها التي لم تجد فيه تحقيقا لمصالحها، مما أدى إلى تعثر مسار المصالحة، وقد جاءت الثورة المصرية لتغير كثيراً من المفاهيم والرؤى حول القضية الفلسطينية، فلم تعد الورقة الفلسطينية مثار مزايدات لدى القادة المصريين الحاليين, بل بدا واضحا أنهم ينظرون إلى دور مصر الإقليمي والدولي في هذه القضية أكثر من حرصهم على الاصطفاف إلى جانب فريق فلسطيني دون آخر، مما أفقد السلطة الفلسطينية داعما رئيسيا لها، إلى جانب انشغال القوى الدولية والإقليمية بقضاياها التي دفعت بالقضية الفلسطينية إلى الصفوف الخلفية.
فدول مجلس التعاون الخليجي مشغولة بأحداث البحرين وبالمواجهة مع إيران، والأردن مشغول كذلك بقضاياه الداخلية, حيث تشهد الساحة الأردنية تحركات شعبية وسياسية تجعله منشغلا عن الشأن الفلسطيني، أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه مصاب بخيبة أمل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ومن مبعوثه للمنطقة laquo;جورج ميتشيلraquo;, بل وصفه بأنه غير محايد في نقل رؤى السلطة الفلسطينية إلى الإدارة الأميركية، وها هي الفترة الرئاسية لأوباما تقترب من نهايتها ولم يحرك ساكنا، والوعود التي قطعها أوباما بشأن القضية الفلسطينية لا تختلف عن سلفه جورج بوش حين تعهد في بداية حكمه بإقامة الدولة الفلسطينية laquo;الموعودةraquo;، أما عملية السلام فقد شعرت السلطة الفلسطينية بأنها وصلت إلى حائط مسدود، في ظل حكومة صهيونية برأسين متطرفين (نتنياهو-ليبرمان)، بل إن الحكومات المتعاقبة، يمينية كانت أم يسارية ليس لديها رغبة في سلام حقيقي، وإن عقدين من الزمن ومن المفاوضات لم تسفر إلا عن مزيد من المستعمرات ومزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني، وقد استثمرت laquo;إسرائيلraquo; حالة الجمود في عملية السلام وتوقف المقاومة في فرض رؤيتها على الفلسطينيين والعرب، ولذا فإن السلطة الفلسطينية تشعر قبل غيرها بأن عملية السلام لم تحقق لها أي نتيجة تبرر لها الاستمرار فيها، خاصة أن المزاج الفلسطيني أصبح متأثرا بالحالة laquo;الثوريةraquo; العربية، وبدأ يحن إلى بداياته الثورية! حين كانت الثورة الفلسطينية laquo;ملهمةraquo; الثورات العربية.
وإذا كانت حال السلطة الفلسطينية كذلك فإن حال حماس لا تختلف كثيرا، فقد أوصلتها حالة الجمود في المصالحة إلى وضع laquo;ضاغطraquo; من خلال الحصار ومن خلال المطالبات الشعبية بضرورة المصالحة، خاصة مع تغير موازين القوى الإقليمية, فحركة حماس التي تحظى بدعم سياسي من سوريا حيث مكاتبها وقياداتها في الخارج، وجدت نفسها في موقف حرج بين دعم النظام السوري ومساندة المطالب الشعبية، كما أن هذه الأحداث كانت بمثابة جرس إنذار لحماس بأن أوضاع سوريا المستقبلية قد لا تنبئ بدعم قوي لها, مما يتطلب إعادة النظر في مواقفها، فالتحولات الإقليمية لم تبرز معالمها بعد، رغم أن الثورة المصرية جاءت لصالحها إلا أن وضع سوريا مختلف عما عليه الحال في مصر، فربما أدت الأوضاع في سوريا إلى إعادة ترتيب البيت السوري من الداخل, وإلى تغير في المواقف، ولذا فإن laquo;تحريكraquo; الداخل الفلسطيني هو السبيل لاستمرار لعبها دوراً على الساحة الفلسطينية، كما أن موقفها المتصلب من المصالحة قد يفقدها الدعم من مصر ما بعد الثورة، خاصة أن مصر قد اتخذت خطوات إيجابية نحو جميع الأطراف الفلسطينية, وابتعدت في مواقفها عن إسرائيل عما كان عليه النظام السابق، وبدأت تمارس دورا جديدا في المنطقة مما يتطلب من الجميع تقديم تنازلات في مواقفهم لدعم الدور المصري.
إن العرب جميعا يتطلعون إلى المرحلة القادمة من العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية وأيديهم على قلوبهم خوفا من فشل التجربة الجديدة، فقد مروا بتجارب سابقة تجعلهم لا يطمئنون إلى اتفاق إلا بعد أن يروه مطبقا على الأرض، فهل يعمل القادة الفلسطينيون على laquo;تطمينraquo; العرب وقبلهم شعبهم الفلسطيني؟