داود الشريان


الإدارة الأميركية تقول إنها مترددة في نشر صورة أسامة بن لادن حفاظاً على عدم إثارة مشاعر المسلمين، بسبب بشاعة صور جثته، فضلاً عن ان رمي الجثة السريع في البحر، انطوى على امتهان لأحكام الدين الإسلامي، وقوبل برد فعل غاضب. واشنطن متلهفة للرد على إشاعة أن بن لادن لا يزال حياً، لكنها محرجة من كشف الصور، ليس بسبب الحساسية، وتقدير خواطر المسلمين، وإنما كون العملية التي نفذها الكوماندوس الأميركيون، وضُخِّمت إعلامياً وسياسياً، كانت في الواقع عملية إعدام رجل مستسلم، ونفذت بعنف مفرط أفضى الى تشويه الجثة.

المجمع الذي كان يقطنه بن لادن لا يتمتع بأي حماية، والرجل لم يكن مسلحاً عندما اقتحمت القوات الأميركية منزله. ورغم ذلك ادعى الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني، ان بن لادن قاوم قبل أن يُقتَل رمياً بالرصاص. وهو وصف المقاومة بقوله ان laquo;زوجة بن لادن دفعت المهاجم الأميركيraquo;، لكنه لم يقدم تفاصيل المقاومة المزعومة، من امرأة أفاقت للتو من النوم، مدعياً، laquo;أن المقاومة لا تستلزم سلاحاً نارياًraquo;. والنتيجة من وراء هذا التلفيق، ان القوة الأميركية خاضت حرباً أشبه بمشهد في فيلم سينمائي رديء الإنتاج. واشنطن كانت تتطلع الى مواجهة ضارية مع زعيم laquo;القاعدةraquo; توازي حروبها على الإرهاب طوال عقد من الزمن، وتليق بسمعة laquo;المارينزraquo;، وترضي الشارع الأميركي، لكن بن لادن استسلم وقتل بعملية سهلة. خذل واشنطن.

لا شك في ان تهافت المعركة افسد على الإدارة الأميركية معاودة تفعيل المواجهة مع الإرهاب. لهذا لجأت الإدارة الى استفزاز الناس بالجثة المشوهة، والدفن المستفز. وهي نجحت حتى الآن في تحقيق هدفها داخل الأراضي الأميركية، فالمواطن الأميركي استعاد مشاعر الفزع التي عاشها عام 2001، فضلاً عن ان مسارعة الإدارة الى إعلان حال الطوارئ في سفاراتها حول العالم، زادت حال التحفز والخوف، وبدأ الرأي العام الأميركي يتهيأ لقبول مواصلة بلاده غزو الدول.

الأكيد أن واشنطن ستنشر الصور في النهاية، بل إن نشر الصور اصبح أحد أهم أهداف عملية قتل بن لادن. لكن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تريد حرق المراحل، وتسعى الى استثمار عملية الإعدام بالحد الأقصى لإبقاء حال الاتحاد، وإن شئت حال الحرب على الإرهاب.