جاسم بونوفل

لم‮ ‬يكن بيان الوفاق مفاجئاً‮ ‬بالنسبة لي‮ ‬شخصياً‮ ‬ولفئات عديدة في‮ ‬الشارع البحريني،‮ ‬إذ إننا اعتدنا على سماع مثل هذه النبرة التصالحية في‮ ‬الخطابين السياسي‮ ‬والإعلامي‮ ‬لجمعية الوفاق بعد فشل كل محاولة تقوم بها من أجل تمرير أجندتها الخاصة‮. ‬ بناء على ذلك فإن بيانهم لم‮ ‬يخرج عن هذه القاعدة فضلاً‮ ‬عن أنه لم‮ ‬يأتِ‮ ‬بجديد فمفرداته أصبحت معروفة وشائعة لدى الرأي‮ ‬العام البحريني،‮ ‬ونتيجة لذلك فإن هذا البيان كان صادماً؛ لأنه لا‮ ‬ينسجم مع توقعات الشارع البحريني‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬ينتظر من قيادات الوفاق تقديم الاعتذار للقيادة السياسية ولشعب البحرين عما بدر منها من إساءات وتجاوزات وصلت إلى حد الحط من قدر شأن رموز الحكم والدعوة علانية إلى إسقاط الشرعية السياسية‮.‬ إن القراءة الدقيقة والمتأنية لهذا البيان تكشف بوضوح عن مدى تمسك جمعية الوفاق بمفردات خطابها السياسي‮ ‬والإعلامي‮ ‬القديم الذي‮ ‬أصبح عقيماً‮ ‬بعد الأحداث إذ إنها لم تأخذ في‮ ‬اعتبارها المستجدات السياسية التي‮ ‬طرأت على الساحة المحلية فجاء خطابها صورة كربونية لخطاباتها القديمة وكأن لسان حالها‮ ‬يقول إن ما جرى في‮ ''‬الدوار‮'' ‬هو أمر طبيعي‮ ‬ولا‮ ‬يستحق منا أن نجري‮ ‬أي‮ ‬تعديل على مفردات خطابنا بحيث‮ ‬يتناسب مع المتغيرات الجديدة،‮ ‬لذلك فهو لم‮ ‬يأخذوا‮ ‬في‮ ‬اعتبارهم بروز القوة الجديدة التي‮ ‬ظهرت على السطح في‮ ‬المشهد السياسي‮ ‬المحلي‮ ‬والمتمثلة في‮ ''‬تجمع الفاتح‮'' ‬الذي‮ ‬أعاد التوازن إلى الخريطة السياسية في‮ ‬البلاد وقلب موازين اللعبة السياسية بكاملها وأصبح هذا التجمع‮ ‬يمثل إحدى القوى التي‮ ‬يجب عدم تجاهلها في‮ ‬أي‮ ‬دعوة أو تحرك جديد‮ ‬يهدف إلى بلورة أو صياغة المستقبل السياسي‮ ‬للبحرين‮. ‬ لذلك نقول إن إشارة الوفاق في‮ ‬بيانها على أنها القوة الوحيدة‮ ‬يدل على أنها لم تستوعب المتغيرات وأنها لا تزال تعيش في‮ ''‬جلباب الماضي‮''‬؛ لأن مثل هذا التصور‮ ‬يتنافى والواقع الجديد على الأرض الذي‮ ‬يؤكد على أنها لم تعد القوة الوحيدة المؤثرة في‮ ‬الحراك السياسي،‮ ‬كما أنها ليست القوة السياسية الوحيدة التي‮ ‬تجلس في‮ ‬الصفوف الأمامية،‮ ‬فيوجد بجانبها قوى أخرى لا تقل عنها أهمية وتأثيراً‮ ‬في‮ ‬تحديد مستقبل البحرين السياسي‮. ‬ من جانب آخر؛ إذا كانت الوفاق تريد من وراء بيانها أن تمحو القيادة السياسية من ذاكرتها ومن خلفها شعب البحرين ما اقترفته‮ ‬يداها من تجاوزات وإساءات وتعطيل لمصالح الناس وصلت إلى حد السب والشتم العلني‮ ‬لرموزالحكم والمطالبة بسقوط النظام فإنها مخطئة؛ لأن ما قامت به لا‮ ‬يقبله لا المنطق ولا الشرع ولا القانون وهو مخالف لما تدعيه وتزعمه‮ -‬كما جاء في‮ ‬بيانها‮- ‬حيث تقول‮ ''‬إنها مؤمنة بأن طبيعة الحركة المطلبية التي‮ ‬انطلقت قبل أكثر من شهرين كانت نموذجاً‮ ‬في‮ ‬السلمية إذا ما قيست بغيرها من التحركات التي‮ ‬شهدتها وتشهدها العديد من الدول العربية‮''‬،‮ ‬بالله عليكم هل قتل رجال الأمن وترويع الناس‮ ‬يندرج تحت مفهوم السلمية؟ ربما‮ ‬يكون هذا في‮ ‬قاموسكم‮!‬ لقد أثبتت التحقيقات أنكم متورطون حتى النخاع في‮ ‬هذه الأحداث وأن مشاركتكم في‮ ‬الدوار لم تكن وليد الصدفة وإنما ناتج عن قناعتكم الشديدة بالأطروحات التي‮ ‬تتبناها الجماعات المتطرفة الخارجة عن القانون وهذا‮ ‬يؤكد أنكم جزء أصيل من تلك الجماعات كما أشرنا إلى ذلك في‮ ‬مقالات سابقة ومن‮ ‬يشكك في‮ ‬كلامنا فإننا ننصحه بقراءة أدبيات تلك الجماعات التي‮ ‬تروي‮ ‬تفاصيل أكثر عما جرى في‮ ‬الدوار‮. ‬ تأسيساً‮ ‬على ذلك فإن‮ ‬فعلتكم هذه تضعكم أمام المساءلة القضائية؛ لأنكم خرجتم عن إطار القانون الذي‮ ‬ينظم العمل السياسي‮ ‬السلمي‮ ‬وسمح لكم كجمعية سياسية أن تزاولوا نشاطكم السياسي‮ ‬بكل أريحية وفي‮ ‬العلن شأنكم شأن سائرالجمعيات السياسية الأخرى‮. ‬وإذا كنتم اليوم منزعجين من شدة النقد الموجه إليكم في‮ ‬الأجهزة الإعلامية المحلية وعلى حد قولكم‮ ‬إنه‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬إطار‮ ''‬الحملات الإعلامية‮ ‬غير المنضبطة ولذلك فإنكم تدعون الجميع إلى تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن التجريح الشخصي‮'' ‬فإن ردنا عليكم بسؤال نريدكم الإجابة عليه بموضوعية وهو كيف سمحتم لأنفسكم الاتصال بالقنوات الفضائية التي‮ ‬كانت ولا تزال تبارك أنشطتكم المعادية للبحرين؟ هل الاتصال بهذه القنوات‮ ‬يتوافق مع أصول المواطنة الشريفة المخلصة؟ اليوم تقولون‮ ''‬إن‮ ‬يد الوفاق مبسوطة وقلبها مفتوح بكل محبة وتقدير لكل الفعاليات السياسية والمجتمعية المخلصة التي‮ ‬تبحث عن الحل الناجع للمشكل السياسي‮.. ‬الخ‮'' ‬أين أنتم من الحوار قبل تطبيق قانون السلامة الوطنية؟‮ ‬ اليوم وبعد أن سقطت‮ ‬أقنعتكم وانكشف أمركم تريدون من القيادة السياسية ومن شعب البحرين فتح صفحة جديدة وتطبيق شعار‮ ''‬عفا الله عما سلف‮'' ‬نقول إن هذا ممكن ولكن بعد أن‮ ‬يقول القضاء كلمته لكل من حرض أو شارك في‮ ‬المخطط الذي‮ ‬أراد‮ ''‬يشق المجتمع إلى نصفين‮'' ‬ويتدخل في‮ ‬شؤون البحرين الداخلية ويحولها إلى نظام ولاية الفقيه،‮ ‬أليست هذه من الثوابت والمبادئ التي‮ ‬تؤكدون عليها في‮ ‬بيانكم بحكم موقعكم المتقدم في‮ ‬المعارضة‮!‬