محمد الصياد

جون ماكين القطب الجمهوري البارز ومرشح الرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الأخيرة، وصل إلى بنغازي في الشرق الليبي تحت سيطرة المعارضة الليبية المسلحة، ومن هناك طالب المجتمع الدولي بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي ووحيد لليبيا بدلاً من سلطة الرئيس معمر القذافي، وكذلك تزويد ميليشيات هذا المجلس بالسلاح .

وبعد ماكين سوف يتوجه إلى بنغازي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فيما أرسلت بريطانيا بعثات دبلوماسية ومستشارين عسكريين وطلائع قوات بريطانية خاصة .

وحتى إيطاليا التي تتمتع بعلاقات اقتصادية متينة مع ليبيا (من أكبر مستوردي الغاز الليبي) وامتيازات نفطية وغازية (شركة ايني الإيطالية)، فضلاً عن رئيس وزرائها سلفيو برلسكوني الذي يتمتع هو شخصياً بعلاقات وثيقة مع الرئيس الليبي معمر القذافي، قد حسما موقفيهما بعد تردد وانحازا للجهود الغربية الرامية إلى إحداث تغيير في ليبيا، وكذلك فعلت ألمانيا التي امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، عادت والتزمت بسياسة حلف شمال الأطلسي المتمثلة في تنظيم حملات قصف جوي ضد قوات القذافي .

وحدها بقيت روسيا على موقفها المترنح والأقرب لوصف ldquo;السير على غير هدىrdquo; . ففي تكرار عجيب لنفس أخطائها السابقة المتمثلة في موافقة الكرملين على حزمة قرارات مجلس الأمن الخاصة بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على العراق إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين، قبل أن تعض أصابعها حين تعلم أن الأمريكيين وحلفاءهم الأوروبيين الغربيين قد أخذوا العراق إلى وجهة أخرى غير تلك التي حددت تفويضها قرارات مجلس الأمن . وكان أن سعت موسكو لرفع أو تخفيف العقوبات عن العراق في ما بعد فلم تحصد سوى الفشل الذريع .

نقول في تكرار لذات السيناريو العراقي، فقد تعاملت موسكو مع المسعى الغربي لفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا بالطريقة إياها التي سلكتها في ما خص فرض العقوبات الدولية على العراق . حيث امتنعت موسكو بعد ممانعة واعتراضات على صياغة مسودة القرار الفرنسي البريطاني المدعوم أمريكياً الذي قضى بفرض ذلك الحظر الجوي على ليبيا، امتنعت في النهاية عن استخدام حق النقض ldquo;الفيتوrdquo; ضد القرار، مكتفية، حالها حال ألمانيا، بالامتناع عن التصويت على القرار .

وما إن حصل الأمريكيون والأوروبيون على قرار مجلس الأمن الذي صاغوه هم بأنفسهم وعرضوه على أعضاء المجلس لأخذ مباركتهم عليه، حتى هبوا مسرعين لتطبيقه وفقاً لتفسيراتهم وتأويلاتهم التي توافق ما كانوا خططوا له أصلاً، وهو عدم الاكتفاء بإنشاء منطقة حظر طيران على ليبيا وإنما شن موجات متواصلة من الغارات الجوية والهجمات الصاروخية على المنشآت الليبية، العسكرية والاقتصادية، الأمر الذي أسقط في يد القيادة الروسية، فكان أن اضطر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لتكثيف ظهوره الإعلامي لتوجيه النقد المرير للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأنها تخرق التكليف الوارد في قرار مجلس الأمن رقم 1973 .

وبالمناسبة فإن روسيا لم تكن الوحيد الذي امتنعت عن التصويت على القرار 1973 وإنما امتنعت معها أيضاً كل من الصين والهند والبرازيل وألمانيا، حيث حذرت الصين بعد صدور القرار وبدء شن الحرب الجوية والصاروخية على ليبيا، من حدوث كارثة إنسانية في ليبيا، في حين شجب كل من الهند والبرازيل التدخل العسكري الأطلسي في ليبيا، ما يعني أن القرار حظي بتأييد عشر دول أعضاء في مجلس الأمن من أصل 15 دولة عضواً دائماً وغير دائم .

لقد كان بإمكان موسكوأن تعترض على القرار سواء قبل عرضه على المجلس للتصويت بهدف إدخال التعديلات المطلوبة عليه، أو بعد عرضه على المجلس للتصويت وذلك باستخدام حقها في نقض القرار (حق الفيتو) . ذلك أن نص القرار، بصراحة، كان واضحاً إذ ينص على ldquo;وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية الكفيلة بحماية المدنيينrdquo; . فعبارة ldquo;اتخاذ كافة الإجراءات الضروريةrdquo; وافية وكافية لشرح نفسها بنفسها .

لقد قيل إن روسيا اليوم لم تعد كما كانت إبان الحقبة السوفييتية التي كانت الإيديولوجيا إبانها تعتمد في بناء وتحديد موقفها من مختلف القضايا العالمية، وإنما هي اليوم تعتمد البراغماتية (مدرسة فلسفية تأسست في الولايات المتحدة في القرن الماضي) وهي هنا الأفكار والمواقف العملية المحققة للمصلحة في تحديد تلك المواقف .

وقد يكون الموقف الروسي الذي اختار الرهان على صمود نظام معمر القذافي في وجه التدخل الأطلسي على نحو واضح على مخزونات النفط والغاز الليبية، جزءاً من البراغماتية الروسية المتمثلة في استمرار تأمين المصالح الروسية الاقتصادية والنفطية والعسكرية في ليبيا من خلال إفشال الخطط الغربية للانفراد في ما بعد بالطاقات الاستثمارية والنفطية والغازية الليبية .

ولكن هذه البراغماتية (الروسية) تحقق النجاح المأمول في العراق، حيث خسرت روسيا امتيازاتها الاستثمارية النفطية والتجهيزات العسكرية التي كانت تتمتع بها إبان نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لمصلحة شركات الدول التي احتلت العراق لا سيما الأمريكية والبريطانية .