علي الخشيبان

بعد يومين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 م أعلن وزير خارجية أمريكا آنذاك (كولن باول) عن اشتباه في تورط أسامة بن لادن في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، وبعد هذا الإعلان يدخل أسامة بن لادن تاريخاً جديداً يربطه بالهجوم على أمريكا في عقر دارها بعد هجمات القاعدة على سفارتيْ أمريكا في نيروبي ودار السلام، فللمرة الأولى في تاريخ هذه الدولة تعلن أن عدوها الأول يتمثل في شخصية فرد وليس دولة، وذاك هو أسامة بن لادن الذي طالما حارب في صفوف أمريكا نفسها في حربها على الاتحاد السوفياتي الذي كانت أفغانستان مسرحه القائم.

لقد خطط كما تقول المصادر ، خالد شيخ ورمزي بن الشيبة ، وأبو حفص بمباركة أسامة بن لادن عملية سبتمبر التي هزت العالم ، ففي شهر ديسمبر عام 2001م أي بعد حوالي أربعة اشهر من أحداث سبتمبر حصلت أمريكا على شريط فيديو يظهر فيه ابن لادن هو ومجموعة من مناصريه quot; يتحدّث في الشريط عن دهشته من كميّة الخراب والقتلى التي حلّت بالبرج وأن الحصيلة لم تكن بالحسبان بل فاقت توقّعاتهquot;.

في السابع من سبتمبر عام 2007 م خرج أسامة بن لادن مرة أخرى ليقول للشعب الأمريكي quot;إن أمريكا عرضة للخطر رغم قوتها الاقتصاديةquot; وتوالت بعد ذلك قصة ابن لادن وملاحقته تلك القصص التي اتسمت بكونها مفتوحة الاحتمالات ، حتى أعلن الرئيس الأمريكي صباح الاثنين الثاني من شهر مايو عام 2011 مقتل زعيم تنظيم القاعدة في عملية خاصة نقلت على الهواء للرئيس الأمريكي ليشاهدها وهو في مكتبه في واشنطن.

بعد هذا الإعلان أصبح العالم بدون ابن لادن...! ولكن ماذا تعني هذه العبارة : ابن لادن أصبح قصة اختلطت فيها الحقائق بنظريات المؤامرات ، ولكن الشاهد الوحيد من قصة ابن لادن من البداية وحتى النهاية أنها أكبر قصة تابعتها السياسة والمخابرات العالمية وكل دول العالم بلا استثناء فكان هناك من كسب أو خسر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من هذه الأزمة، ولكن يبقى السؤال المهم كيف سيتقبل العالم وخاصة أمريكا نهاية ابن لادن؟

هل ستكون نهاية تنظيم القاعدة التي كتب في محضر تأسيسها أن هدفها رفع كلمة الله ونصرة دينه...؟! ، لقد اختار المجتمعون لتأسيس القاعدة بتاريخ 20/ 8/ 1988 قسَماً يتلوه الأعضاء الراغبون في الانضمام إلى التنظيم الذي سوف يبدأ العمل فيه عبر مجموعة تكونت من خمسة عشر شخصا انطلقت للعمل في 10/9/1988 م.

تنظيم القاعدة والذي ولد ليكون ردة فعل على ما حدث في أفغانستان بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي صاحبه في الحقيقة قلة الخبرة في استشراف التاريخ لدى المجاهدين العرب، وكانت قلة الخبرة سببا خفيا في الانتقام من الغرب وخاصة أمريكا عبر إنشاء تنظيم القاعدة الهجومي باستخدام نصرة الدين ولو على حساب المسلمين جميعهم.

تنظيم القاعدة ليس له قاعدة جغرافية أو تاريخية تسنده للبقاء حياً سوى مجموعة أفكار جهادية تاريخية تبلورت عبر نشاطات شباب متحمس يختار الطريق الأصعب لإحياء التاريخ مرة أخرى، مستخدما فكرة التشدد في تطبيق حرفي لما سطره تاريخ بعيد، تقول والدة أسامة بن لادن عنه quot;كان يرى أن المسلمين ليسوا قريبين من الله بصورة كافية، وان شباب المسلمين قد انشغلوا باللهو والمرحquot; ، ويقول هو عن نفسه: عندما كنت طالبا في الجامعة quot; كونت جماعة دينية خيرية في الكلية، وكرسنا جزءاً كبيرا من وقتنا لتفسير القرآن والجهادquot;.

هذه الرؤية الواضحة عن شخصية ابن لادن تعكس منهجه الخاص في تفسير حياته التي أثرت في أطفاله الذين يأخذهم في رحلات برية من اجل أن يتعلموا بطريقة مختلفة تتناسب وأفكاره الخاصة، وهذا يثبت رؤية والدته عنه حيث كان يسير في طريق متشدد منذ وقت مبكر من حياته، بل إن كل الدلائل تشير إلى انه تأسس بفكر متشدد وهنا تكمن خطورة التشدد الذي ينشأ مع الصغر وهذا يطرح سؤالا مهما حول التشدد : فهل التشدد سلوك مكتسب أم ثقافة أم غريزة فكرية تظهر في ظروف ثقافية واجتماعية محددة؟

تفسير التشدد مهمة ليست بالبسيطة ولكن نتائجه مدمرة وقد تحاوَر المسلمون كثيرا حول تعريف التشدد عبر تاريخهم ولكن العامل المشترك بين كل تفسيراتهم حول التشدد : أن التشدد فكرة متخصصة بالأفراد فقط فالمجتمعات مهما كانت ذات قناعة بأفكار معينه إلا أنها لا تمارس التشدد بشكله الجماعي؛ لذلك أستطيع القول إن التشدد ظاهرة فردية بحتة، ولكنها قادرة على الانتشار والتأثير بسرعة كونها دائما فكرة تسير عكس اتجاه المجتمع، وتعتمد على المغامرة الفردية ، لذلك سطر لنا التاريخ أن كل فكرة متشددة دينية أو غيرها هي دائما تنحصر في مجموعات بشرية وليس مجتمعات.

إذا نظرنا إلى القاعدة وقياداتها منذ هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان نلحظ أن البيئة الأفغانية ساهمت في اجتماع المتعارضين، بل والمتناقضين أحياننا في أفكارهم المتطرفة من التكفيريين والجهاديين، فالبيئة الأفغانية أوجدت العامل المشترك بين هؤلاء وهو تشكيل صورة العدو الكافر في التاريخ الإسلامي الذي يجمع كل هذه الفئات باتجاه عدو واحد؛ لذلك تنازل المختلفون في سبيل هدف يبدو لهم جميعا يستحق أن تتنازل تلك الجماعات المختلفة عن اختلافها.

بعد أن وضعت الحرب أوزارها وفرضت نهاية الحرب، لم يكن من السهل بين هذه المجموعات التي امتلأت بها الأرض الأفغانية العودة إلى صفحة الاختلافات فلذلك كان لابد من الدخول في عملية كسر العظم بينها من اجل بقائها في نفس الأرض ولنفس الهدف فتقرر الاستمرار في فكرة الحرب بخلق عدو جديد تمثّل في الغرب الأمريكي استنادا إلى قضية تاريخية يدركها العرب ألا وهي قضية فلسطين، وكان ذلك ما حدث لذلك جاءت الفلسفة الأهم لدى تنظيم القاعدة والتي تقول (إن الجهاد ضد أمريكا منطقيّ لكونها تدعم اليهود في احتلال فلسطين) .

على الجانب الآخر ظل البعد الفكري ومسارات الاختلافات بين المنتمين للقاعدة كلّ بحسب خلفيته الفكرية وتدخلت العوامل الاجتماعية والخبرة في العمل الجهادي لتفرض نفسها فالقادمون من جزيرة العرب وغيرها من الدول لم تكن لديهم خبرات طويلة كتلك التي يمتلكها القادمون من مصر على سبيل المثال وهم أصحاب تجربة تاريخية انطلقت منذ العقد الثالث في القرن الماضي لذلك فرض الجهاديون والتكفيريون من المصريين وعلى رأسهم الظواهري وسيف العدل وأبو حفص وغيرهم منهجهم الجهادي فكانت المعادلة بأن الحرب يجب أن تستمر ضمانا لاستمرار الفكرة المشتركة (الجهاد) ولكي لا يتم السماح للاختلافات الفكرية بالظهور إلى السطح وخاصة أن نهاية الحرب الأفغانية أعطت مؤشرات لمعايير هذه الاختلافات وخطورتها على الفكرة الأساسية (الجهاد).

في أفغانستان ومع كل هذا التبلور لفكرة الجهاد بهذه الطريقة لم تستطع الهوية الإيمانية وحدها أن توحد صفوف القيادات الجهادية لذلك فإن الثقة لم تكن مبنية على فكرة الإيمان بالجهاد لكون الجهاد لدى الجميع وسيلة وليس غاية ، لقد كانت هناك نزاعات خفية اختلط فيها الإيمان مع العنصرية القُطرية والطائفية والاقتصادية أحيانا بل وحتى الطبقية الاقتصادية والخلفية المجتمعية.

اليوم وبعد مغادرة ابن لادن الحياة يطرح السؤال المهم حول العالم بدون أسامة ابن لأدن..؟ هذا السؤال يجب أن يعني الشيء الكثير للمسلمين ودولهم فلديهم الفرصة اليوم لدراسة كيف تشكلت بنية هذا التنظيم من أفكار انتهت إلى زج دين بكامله مع أتباعه في أزمة مع العالم.

القاعدة اليوم وأعضاؤها وفرقها المنتشرة في مواقع عدة في العالم العربي تنتظرها مظاهر الشيخوخة والنهاية لأن البيئة الجغرافية التي سمحت بنشوء التنظيم والأفكار لم تعد متوفرة.

وإذا كان هناك من يراهن على بقاء التنظيم فعليه أن يتذكر أن التنظيم تاريخيا أكمل عمره الافتراضي بموت ابن لادن وما سوف يبقى بعد ابن لادن لن يعدو كونه استخداما جديدا للتاريخ الإسلامي بطريقة مختلفة..