ناجي صادق شراب

هل من تعارض وتناقض بين السلام والمصالحة الفلسطينية؟ هذا هو السؤال إلى تردده ldquo;إسرائيلrdquo;، وتدير حملة إعلامية وسياسية واسعة لتؤكد أن المصالحة الفلسطينية تنسف أي فرصة لأية تسوية سياسية، وتذهب أكثر من ذلك بالقول إن هذه المصالحة ستقف في طريق قيام الدولة الفلسطينية .

وهذه الحملة ldquo;الإسرائيليةrdquo; تعكس حالة من عدم الوضوح، والتردد، وعدم القدرة على اتخاذ قرار ومبادرة واضحة وحاسمة بشأن قيام الدولة الفلسطينية . ولو كانت ldquo;إسرائيلrdquo; حريصة على السلام كما تدعي، لكانت أول من يعترف بالدولة الفلسطينية، وعندها يمكن أن تضع الفلسطينيين ليس أمام خيار السلام والمصالحة مع حماس، بل تضعهم جميعاً أمام خيار سلام حقيقي لا يمكن رفضه، وليس له علاقة بالمصالحة من عدمها . وهنا أشير إلى ملاحظتين أساسيتين: الأولى أن خيار السلام ليس له علاقة مباشرة بالمصالحة، فهو خيار يتعلق بجوهر وموضوعات السلام، وأي القضايا التي قد عالجتها أي مبادرة للسلام، وخيار السلام كما هو خيار فلسطيني، فهو أيضاً خيار عربي ودولي، وخيار السلام من عدمه مرتبط باستمرار الصراع أيضاً من عدمه، وبالتالي ليس لة علاقة بالمصالحة . والسؤال: أين هو خيار السلام الذي قبل به الفلسطينيون، وقدموا من أجله العديد من التنازلات؟ لأكثر من ستة عشر عاماً من المفاوضات والفلسطينيون ينتظرون هذا السلام، وقيام الدولة الفلسطينية التي كان من المفترض قيامها عام ،1999 ولنتصور لو أن هذه الدولة قائمة ماذا كان سيكون عليه شكل الصراع، والسلام؟ والسؤال الآخر أين دور الولايات المتحدة من قيام الدولة الفلسطينية؟ ومن تبني المبادرة العربية للسلام؟ لقد قدم العرب مبادرة للسلام لوقبلت في حينها لكنا الآن في نهايات الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo; . إذن المسألة مرتبطة بالسلام نفسه، ومن المسؤول عن عرقلته وفشله، وإذا كانت ldquo;إسرائيلrdquo; رافضة لتجميد الاستيطان ولفترة زمنية مؤقتة، فالشعب الفلسطيني فقد صبره من أجل استئناف المفاوضات، فما بالنا بالقبول بالدولة الفلسطينية؟ وعلى العكس تماماً لعل مبادرة سلام حقيقية تفضي لقيام دولة فلسطينية مستقلة كفيلة بأن يتحقق المصالحة الفلسطينية، لأنه لا توجد قوة فلسطينية، ولا مواطن فلسطيني لا يريد دولة مثل بقية شعوب العالم، يجد كرامته الآدمية فيها . لكن أين هذه الدولة؟ أما فرض الشروط والمطالب من جانب ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة على الفلسطينيين، مثل اعتراف حماس بrdquo;إسرائيلrdquo; وغير ذلك، فهذا غير منطقي، فاعتراف منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني قائم . لا مبرر لمثل هذه الشروط، إلا إذا كان الهدف منها فقط رفض ldquo;إسرائيلrdquo; لخيار السلام . أو ليست هناك مصلحة للولايات المتحدة لتجديد شرعية السلطة الفلسطينية عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة؟ أو ليست ldquo;إسرائيلrdquo; من كان يدعي أن الرئيس عباس لا يمثل شعبه، وأنه يفتقد إلى الشرعية والتفويض، وأنه ليس شريكاً في أي مفاوضات . اليوم ومع عودة هذه الشرعية والاتفاق على إجراء انتخابات أليس من الأجدر اعطاءها فرصة لتأتي بقوى سياسية فلسطينية جديدة، وعلى أسس ومعطيات سياسية جديدة، وأقصد بذلك لو كانت ldquo;إسرائيلrdquo; ومعها الولايات المتحدة حريصتين على السلام، فلماذا لم يمنحا ويوفرا لهذه الانتخابات مبادرة للسلام حتى تنتصر قوى السلام؟ بهذا المعنى نريد السلام الذي يقوي المصالحة، والمصالحة أيضاً التي لا تسقط خيار السلام . الشعب الفلسطيني يرفض خيار السلام إلى جانب خيار المقاومة التي تمنحها له مسوغات استمرار الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo; . ولتجرب ldquo;إسرائيلrdquo; وتعلن انتهاء الاحتلال للأراضى الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية؟ لا شك سيكون لذلك تداعيات إيجابية على الخيارات الفلسطينية ومراجعتها . ولتنظر ldquo;إسرائيلrdquo; إلى داخلها لترى تنامي القوى الرافضة للسلام، وحتى لمجرد التعايش مع الفلسطينيين في الداخل، وتتغذى على القوانين ذات الصبغة العنصرية، وعلى الفتاوى الحاخامية التي تزيد من درجة الكراهية بدلاً من التعايش والتسامح والقبول المتبادل .

الأصل إن الفلسطينيين شعب موحد، وأرضه موحدة، ولا يعاني من اختلافات مذهبية ولا طائفية ولا حتى دينية كما هو الحال في الكيان، وأمر طبيعي أن يكون هناك تفاوت وتباين في الرؤى والبرامج السياسية لحماس وفتح والشعبية وغيرها، وهذا أمر موجود في كل النظم السياسية وحتى الديمقراطية . الانقسام ليس مرتبطاً بالبعد السياسي، والذي سيبقى حتى بعد المصالحة، ولكنه وهذا الأخطر له بعد مجتمعي، فلم يعد المواطن الفلسطيني قادر على التعايش في ظل هذا الانقسام، الذي مزق الأسر الفلسطينية الموحدة، ومزق النسيج الاجتماعي الذي لم يكن في أي وقت من الأوقات منقسماً كما هو الآن . والانقسام وصل إلى التكوينات الجينية للشخصية الفلسطينية، وزاد من المعاناة اليومية، إلى جانب معاناة الاحتلال والحصار . ولهذا فإن رفض الانقسام مصلحة مجتمعية فلسطينية عليا، فالشعب بكل شرائحه وقواه لا يريد الانقسام .

إن السلام الحقيقي الذي يقيم الدولة الفلسطينية هو الذي يجلب الديمقراطية . والاثنان معاً يضعان الأساس لتسوية صراع ممتد ومركب كالصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo; بحثاً عن وسائل سلمية جديدة لإدارة هذا الصراع .