غسان شربل


إن المحتجين يغرفون من قواميس بعيدة عن القاموس الإيراني. يريدون الحرية والكرامة والتعددية وتداول السلطة والشفافية. ويريدون أيضاً الانتماء الى عالم اليوم بتقدمه العلمي والتكنولوجي وثورته الإعلامية، ولا يتحدثون عن وصفة نهائية للحكم لا تقبل التعديل أو التبديل.

لم يستلهم المحتجون النموذج الإيراني، ولم يرفعوا صور رموزه. وهذا يشكل بالتأكيد خسارة لثورة كانت تعتقد أنها قادرة على تصدير نموذجها. لم يتحدث المحتجون عن laquo;الشيطان الأكبرraquo;، بدوا أكثر انهماكاً بالخبز وفرص العمل وبالتعدد الحزبي وقبول الآخر. حتى القوى الإسلامية المشاركة في الاحتجاجات لم تستعر مفردات من القاموس الإيراني.

للزلازل أثمان لا بد من دفعها. إنكار حدوثها يضاعف الأضرار ويعوق رفع الأنقاض. إغماض العينين أسوأ الخيارات. لا يمكن الخروج من الزلازل بلا أضرار. الجراحات التجميلية لا تكفي وتهيّء الأرض لعودة الهزات. يبدأ الحل بالاعتراف بوقوع الزلزال، وإحصاء الأضرار، واستخلاص العِبر والإقرار بالأسباب التي أدت الى تصدع البنيان. ومن الإقرار يبدأ العلاج الذي يمكن ان يكون مؤلماً اليوم ويتحول مستحيلاً بعد أعوام، إذا فضل المصاب اعتبار الانتظار أفضل مستشار.

هز الزلزال الذي ضرب المنطقة دعائم ما كان يسمى استقرارها، وقواعد الأدوار فيها. اقتلع أنظمة وقوّّض سلطة أخرى، وهدد غيرها. حتى الدول التي نجت حتى الآن، أو اعتقدت ذلك، محكومة باتخاذ ما يلزم من إجراءات للوقاية من الزلازل. وهي إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية. هذا التغيير الإلزامي في الداخل لا بد أن يترك آثاره في الخارج أيضاً. طريقة تعامل دولة مع مواطنيها باتت تؤثر في علاقاتها الخارجية. يعتمد عالم اليوم مقاييس أكثر صرامة في الصداقات والعداوات، وفي التعاون السياسي والاقتصادي.

لم تتوقع دول المنطقة أن يصل الزلزال ويقيم. تتساوى في عدم التوقع وتختلف قدراتها في الصمود أو التكيف. للأمر علاقة بالوضعين الاقتصادي والسياسي. وبتركيبة كل بلد. وعلاقة الحكم بالناس. ودرجة تكلس المؤسسات ووطأة القبضة الأمنية. لهذا شهدنا تغييراً في مكان وانهياراً في مكان آخر، وتصدعاً في مكان ثالث.

بعد الزلزال لن تكون الأدوار ما كانت قبله. ستكون مختلفة بالضرورة. هذا يعني مصر، ويعني تونس وليبيا واليمن وسورية. يعني الجميع بلا استثناء. الدور التركي سيكون مختلفاً مع الشركاء الجدد. ودور مجلس التعاون الخليجي أيضاً. ودور إيران.

لدى اندلاع الاحتجاجات حاولت طهران تصويرها وكأنها تأكيد صحة سياساتها. قالت ان الشعوب انتفضت على الهيمنة الغربية، وفتحت الباب لقيام شرق أوسط إسلامي. لم يدعم الهدير في ميادين التحرير أو ساحات التغيير ما سعت طهران الى ترويجه.

لدى إيران من الأسباب ما يدفعها الى القلق. تغيير واسع لا يشبه نموذجها بل يناقضه. رسالة صارمة من دول مجلس التعاون عبر البحرين، والبيانات المتكررة لقادة دول المجلس والاستعداد لتوسيع مجاله الحيوي. الإصلاح المتوقع في سورية لن يغرف من القاموس الإيراني، بل سيكون بعيداً عنه. المصالحة الفلسطينية كانت أيضاً بالغة الدلالات. أما نجاح السلطات الإيرانية في كبح الاحتجاجات السابقة فلا يعني انها لن تتجدد. إيران أيضاً لا تملك وصفة سحرية للبقاء خارج الزلزال. من حق إيران الثورة أن تشعر بالخيبة، وإن حرصت على إخفائها.