ادمون صعب

laquo;أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقتraquo;
الأحنف
كاد اليأس الذي استشعره الرئيس نبيه بري الأسبوع الماضي، جراء التأخر في تأليف الحكومة الجديدة، ان يتسرب إلى نفس النائب وليد جنبلاط، فانتفض ودحرج الصخرة في اتجاه الأكثرية الجديدة، في مقاله الثلاثاء في جريدة laquo;الأنباءraquo; محيّداً الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، رغم مسؤوليتهما الأساسية عن التأليف.
وقد برر اللهجة القاسية في مخاطبة الأكثرية الجديدة التي يقف حيالها في الوسط مع الرئيسين سليمان وميقاتي، بسلسلة laquo;المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تلاحق المواطنين وتحاصرهم في كل مكانraquo;، داعياً إلى laquo;تخطي المصالح الفئوية الضيقة، والذهاب نحو واقع جديدraquo;.
وقد ألقى جنبلاط مسؤولية العرقلة على laquo;الترف في التعطيلraquo; ضمن الأكثرية الجديدة، من دون ان يسمي الطرف المرفَّه، مُصدراً حكماً على laquo;ما يسمى الأكثرية الجديدةraquo; بأنها laquo;أعجز من أن تستولد ذلك الواقع الجديد في ظل انقساماتها الراهنة، وتجاذباتها المستمرة والتي لا تنتهيraquo;.
قد تكون لجنبلاط أسبابه الخاصة في الهجوم على الأكثرية، وربما قاده حدسه، بعد عقله، إلى ان ما يجري في العالم العربي من سوريا إلى مصر، وخصوصاً بعد حوادث امبابة الطائفية، يستدعي الإسراع في تأليف الحكومة. إلا ان ما أثار التساؤل والعجب، ان يكون زعيم الاشتراكي يحسب نفسه خارج تلك الأكثرية، متأبطاً ذراعي الرئيسين سليمان وميقاتي.
وعندما يتمسك الرئيسان سليمان وميقاتي بالدستور ليقولا ان نصه يلقي على عاتقهما مسؤولية التأليف، يصبح موضوع تحييدهما في مسألة تعطيل التأليف الذي دخل شهره الرابع، أمراً في غير محله، ويظهرهما كأنهما سائحان!
بل أكثر من ذلك، ان الزعيم الدرزي الذي انتقل من الأكثرية السابقة، وحلّ laquo;اللقاء الديموقراطيraquo; وأحيا laquo;جبهة النضال الوطنيraquo;، إنما فعل ذلك لينضم إلى الأكثرية الجديدة، ويصبح واحداً من أركانها. لذلك هو شريك في التسبب في العجز الذي أصاب laquo;القابلة القانونيةraquo; للأكثرية الجديدة عن laquo;استيلادraquo; الواقع الجديد الذي يصبو إليه جميع اللبنانيين.
كذلك هناك مسؤولية كبيرة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان في إهدار ثلاثة أشهر من مهلة التأليف في جدل بيزنطي مع رئيس كتلة التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، حول شخص المرشح لمنصب وزير الداخلية، وما إذا كان هذا المنصب من حصة سليمان أو من حق عون.
أما laquo;الترف في التعطيلraquo;، والذي تحدث عنه جنبلاط في مقاله، فينطبق على الرئيس المكلف، أكثر مما هو على العماد ميشال عون الذي كان يخوض معركة قاسية مع رئيس الجمهورية. وهو لم يجد في الرئيس المكلف ذلك المحاور البارع الذي يمطره بالعروض والطروحات انطلاقاً من قاعدة بسيطة في التأليف هي التعامل مع الكتل النيابية التي تتألف منها الأكثرية الجديدة، بدءاً بالكتلة الأكبر.
ماذا فعل الرئيس المكلف خلال الأشهر الثلاثة الضائعة؟
اختصر التفاوض مع laquo;الخليلينraquo;، مع احترامنا وتقديرنا لما يمثلان، وتجاهل الشريك الأكبر لا بل كان يبعث إليه بإشارات منفّرة من مثل laquo;لا أريد وزراء تحدٍّraquo;، وlaquo;لا وزراء استفزازيينraquo;، في إيحاءات واضحة انه لن يُغضب الرئيس سعد الحريري، ولن يلاحق ملفات الفساد المالي والتي كانت أحد أسباب إزاحة الحريري. وأنه قد تعهد بذلك لدار الفتوى لدى مشاركته في وضع الثوابت الإسلامية التي كانت وراء مناوراته مع عون خصوصاً لكسب ثقة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، والظهور مظهر الممسك وحده بالتأليف على أساس انها صلاحيات تعود إليه حصراً لكونه منتسباً إلى الطائفة السنية الكريمة صاحبة الموقع وأنه هو من يقرر إذا كان يُعطي تكتل التغيير والإصلاح هذه الحقيبة أو تلك. كذلك هو من يسمي الوزراء لا الكتل النيابية. علماً ان هذه مقاربة خاطئة غير ديموقراطية، ومخالفة للدستور والأعراف.
وهو مارس الترف ذاته بـlaquo;الرسائلraquo; التي بعث بها إلى الخارج، بأنه هو من يؤلف الحكومة، ومن يختار الوزراء وليس laquo;حزب اللهraquo; أو حركة laquo;أملraquo; والدليل على ذلك laquo;صراخraquo; عون وهجوماته عليه، أي على ميقاتي الخ...
وثمة من يتحدث عن laquo;عقدة الداخليةraquo; بغير اللغة التي ينطق بها سليمان وعون. على أساس ان ميقاتي تلقى تحذيراً خارجياً في شأن الحقيبة والوزير الذي سيتولاها والذي يُفترض ان ينال رضى الأميركيين أولاً، نظراً إلى ان الداخلية laquo;حقيبة أميركيةraquo;، وأن واشنطن قد موّلتها، وزودتها الأجهزة الالكترونية اللازمة، وخصوصاً لشعبة المعلومات، وأنها هي التي أشرفت على تدريب ضباط وعناصر فيها، ولا تزال. وأن لهذه الوزارة أهمية خاصة في نظر الأميركيين. لذلك فإن المشكلة ها هنا ليست مع العماد ميشال عون بل مع الأميركيين. فكفى مناورات.
اننا حقاً في laquo;دوامةraquo; على ما قال جنبلاط، وإن السقوط في هذه الدوامة هو إسقاط للبلد برمته. فحبذا لو يستفيق المتحاصصون.
إنها رسالة إلى الجميع باسم أهل التضامن الوطني. إلى الرئيسين سليمان وميقاتي، وإلى الأكثرية الجديدة ومن ضمنها الزعيم الجنبلاطي الذي لا يستطيع، بعد حديثه عن laquo;الثوابت السياسيةraquo; في مقاله، وضع laquo;رجل في البور ورجل في الفلاحةraquo;.
فاستفيقوا، لأن الوضع خطير ولا يحتمل الانتظار.