راجح الخوري

باستثناء تعهده قطع الطريق على الفلسطينيين، في محاولتهم الحصول على اعتراف الامم المتحدة بدولتهم في حدود 1967، خلال الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايلول المقبل، لم يقل الرئيس باراك اوباما في خطابه الجديد اي شيء يغيّر من واقع السياسة الاميركية الخرقاء في الشرق الاوسط.
ما يبعث على الازدراء في شكل عام هو المحاولة السافرة للأكل باليدين معا. فالحديث عن دعم الثورات وحركات التغيير في العالم العربي وتقديم الدعم المالي، لا يكفيان في الواقع لسدل ستائر النسيان على ان اميركا واوباما شخصيا، دعما في شكل مطلق حسني مبارك في مصر الذي سُمي quot;صديقا مخلصا لأميركاquot;، وزين العابدين بن علي في تونس quot;الشريك في محاربة الارهابquot;، والآن جاء تمجيد الشعوب بعد تمجيد الانظمة المنهارة ولا غرابة في الامر، فما يهم اوباما في النهاية هو المحافظة على المصالح الاميركية في المنطقة.
يكفي ان نتأمل في الضبابية المخجلة والتردد المثير وقد برزا لمدة في الموقف الاميركي مما يجري في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا ايضا، لكي ندرك تماما اي بضاعة يريد الرئيس الاميركي ان يبيعنا اياها الآن.
الاهم والاكثر فضائحية بالمعنى المباشر هو ان اوباما تجاهل الصفعة الاسرائيلية التي تعمّد نتنياهو ان يوجهها اليه عشية خطابه المنتظر، وقد تمثلت بقرار بناء 1500 وحدة سكنية جديدة تمضي قدما في تطويق القدس وابتلاعها بما يؤدي عمليا الى نسف آخر أمل بالتسوية.
وهكذا تصبح دعوته الى استئناف المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين، بهدف قيام دولة منزوعة السلاح في حدود 1967، مجرد صيغة كلامية ليس لها اي مفعول عملي واقعي وملموس على ارض فلسطين:
اولا، لان مثل هذا الكلام سبق ان سمعناه في خطابه في القاهرة الذي ملأ فضاء المنطقة بالوعود الزهرية، لينتهي الامر باستقالة إفلاسية لأهم مفاوض اميركي وهو السناتور السابق جورج ميتشل، الذي يئس عمليا من امكان وقف حركة الاستيطان الاسرائيلية لدفع عجلة التسوية المتوقفة.
ثانيا، لان حرص اوباما على ان يكرر في خطابه التزام اميركا امن اسرائيل وثناءه على التاريخ والقيم المشتركة بين اميركا والدولة اليهودية، انما ليسقط كل مراهنة على انه يريد فعلا او بالاحرى يقدر على ان يضغط على تل ابيب لتستجيب لشروط التسوية وفي مقدمها وقف الاستيطان.
كان في وسعه مثلا الضغط بطريقة غير مباشرة عبر الامتناع عن التعهد بقطع الطريق على الفلسطينيين في الامم المتحدة في ايلول. ولكن عبثا فالرجل بحاجة الى الصوت اليهودي في تجديد ولايته، ولهذا فإنه سيستمع الى مزيد من التقريع والابتزاز الاسرائيليين!