فهمي الكتوت

الموافقة المبدئية على قبول عضوية الأردن والمغرب في مجلس التعاون الخليجي جاء مفاجئا, وطرح العديد من التساؤلات, رغم وجود مساع اردنية قديمة للوصول الى هذا القرار, فالمغرب والأردن ليستا دولتين خليجيتين , وان كان الاردن مجاورا لاكبر دولة خليجية, كما انهما ليستا دولتين نفطيتين ولا تنتميان لنادي الاغنياء, مع ذلك ممكن القول ان الاردن والمغرب اعضاء في نادي الملوك والامراء, هذه اسباب موجبة, بدليل رفض مجلس الاتحاد عضوية اليمن. اذا نحن امام محور سياسي لانظمة حكم متشابهة, واذا كان كذلك ما هي الاخطار والدوافع التي اقتضت تشكيل هذا المحور, وهل لانتصار الشعبين التونسي والمصري على الانظمة الديكتاتورية, ومواصلة الحراك السياسي في معظم الاقطار العربية انتصارا للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان علاقة في ذلك, فالمنطقة تشهد إعادة تشكيل على أسس جديدة رغم مقاومة بعض الانظمة, فهل هي خطوة استباقية لمواجهة تطورات متوقعة, ام ان اخطارا حقيقية اخذة بالظهور على صعيد الخلاف الخليجي - الايراني, ام القضيتين معا ؟

لم يأت المشروع من فراغ, هناك استحقاقات سياسية واقتصادية تزكي الموافقات المبدئية التي أعلن عنها, فللاطراف المعنية مصالح ومنافع متبادلة, المهم ان لا تتعارض مع مصالح الشعوب العربية في الدول المعنية أولا, وبالمصالح القومية العليا للوطن العربي ثانيا, فأي مشروع وحدوي أو تكامل اقتصادي مرحب به من حيث المبدأ, وان اخطر عدو واجه الأمة العربية منذ الحرب العالمية الأولى هو التجزئة و quot;سايكس بيكوquot; والاحتلال الصهيوني لكامل التراب الفلسطيني وما يعانيه الوطن العربي من صراعات مذهبية وإقليمية وطائفية مصطنعة لمزيد من الشرذمة.

لنلقي الضوء على بعض الأسباب الموجبة للأطراف المعنية, الأردن يواجه قضيتين رئيسيتين الأولى: تتعلق بالأزمة الاقتصادية , فالاقتصاد الأردني يعاني من تباطؤ في النمو, والخزينة تواجه عجزا غير مسبوق قد يتجاوز 2.5 مليار دولار في نهاية العام الحالي في ظل تنامي المديونية التي تجاوزت 16 مليار دولار, مع ارتفاع معدلات البطالة واتساع دائرة الفقر, فالجانب الاقتصادي يشكل قلقا كبيرا للأردنيين في ظل نمو النفقات وتراجع الإيرادات المحلية والمساعدات الخارجية, فانضمامه لعضوية المجلس يفسح المجال امام العمالة الاردنية لدخول سوق العمل في دول الاتحاد الامر الذي يسهم في تخفيض معدلات البطالة, ومعالجة مشكلة عشرات الالاف من الخريجين الجدد, خاصة ان الاجهزة الحكومية لم تعد قادرة على استيعاب خريجين جددا, وفي ظل تراجع الطلب في سوق العمل بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي. كما ان دخول الاردن للمجلس يتيح الفرصة أمام استقطاب استثمارات عربية من دول الاتحاد, وتعزيز التجارة البينية.

أما الصعوبات الموضوعية التي تواجه الأردن, مواءمة القوانين الأردنية, وهذا يتطلب إصدار حزمة من القوانين الاقتصادية للتكيف مع قوانين مجلس الاتحاد, وبعضها سيؤثر سلبا على الخزينة خاصة اعتماد التعرفة الجمركية الموحدة لدول الاتحاد ونسبتها 5% على جميع السلع الأجنبية المستوردة من خارج الاتحاد الجمركي, مع إعفاء 417 سلعة بحسب النظام الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي, بينما تصل التعرفة في الأردن حاليا الى 30% عدا عن ضريبة القيمة المضافة المفروضة على معظم السلع المحلية والمستوردة, وهي تحت باب الضريبة العامة على المبيعات ونسبتها 16% والضريبة الخاصة والتي تصل بحدها الأعلى الى 97% على السيارات و40% على المحروقات, وتشكل الرسوم الجمركية والضريبة العامة والخاصة حوالي 55% من الإيرادات المحلية سنويا quot; 3.4 مليار دولار quot; كما ان المنتجات الحلية ستواجه منافسة حادة بسبب ارتفاع تكلفتها, وفي حال إلغاء قانون القيمة المضافة على السلع والخدمات من المتوقع اختفاء حوالي نصف الإيرادات الضريبية إضافة الى العجز المتفاقم, هل ستعتمد الخزينة على المساعدات الخليجية..? وهل هذه المساعدات بلا مقابل..? أما القضية الثانية فهي جزء من الاشكالية التي تواجه الوطن العربي فيشهد الاردن حراكا شعبيا من اجل تعديلات دستورية وقانونية تسهم في بناء الدولة المدنية الديمقراطية, وتحقيق تداول السلطة عبر انتخابات نيابية حرة ونزيهة, وقد شرعت الجهات الرسمية بتشكيل اللجان المختصة لمراجعة الملفات القانونية والدستورية وتقديم المقترحات لاخراج البلاد من الأزمة, اخشى ان الاهتمام بعضوية الاتحاد يجهض أهداف الحراك الشعبي في تحقيق الاصلاح السياسي.

أما دول مجلس التعاون الخليجي فهي تواجه أيضا مشكلتين الأولى حاجة الشعوب العربية في هذه الدول تحقيق الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات, وان كانت نسبة الانفتاح على الحياة الديمقراطية تختلف من بلد لآخر, فبعض المظاهر البديهية في أي مجتمع ما زالت تعتبر من الممنوعات والمحرمات في بعض دول الخليج, سواء ما يتعلق بحقوق المرأة, اوبحق المواطنين في الانخراط بنشاطات سياسية او نقابية... لم تواجه دول الخليج مشاكل اقتصادية وان كان هناك تفاوت في دخل هذه البلدان, إلا ان بعض دول مجلس التعاون الخليجي تواجه مشاكل أمنية داخلية وخارجية تزداد سخونة في ظل اتساع النفوذ الإيراني في العراق وتنامي طموحاتها غير المشروعة في منطقة الخليج العربي, وهنا لا يمكن تبرئة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في تعميق الأزمة وتوسيع الهوة من خلال سعيهما المتواصل لبناء جبهة معادية لإيران.

اذا الجانب الأمني من اهم مقومات المشروع, وهناك افكار يجري تداولها بين بعض المسؤولين في المنطقة حول دور امني للأردن, خاصة أن تعاونا بين الاردن ودول مجلس التعاون الخليجي قائم, فالاردن يقدم دعما عسكريا لوجيستيا وعمليا مباشرا, وقد اكد سفير البحرين في فرنسا لوكالة رويترز ان هدف مجلس التعاون الخليجي من ضم المغرب والأردن تعزيز النفوذ السياسي والعسكري لمجلس التعاون الخليجي الذي يواجه تهديدات الجيران.