محمد السعيد ادريس

القرار الذي اتخذته القمة التشاورية الثالثة عشرة التي عقدت في الرياض (العاشر من الشهر الجاري) بتوسيع عضوية المجلس، على غير العادة وفي تجاوز للمادة الخامسة من النظام الأساسي للمجلس التي تجعل عضويته مغلقة ومحكومة بالدول الست المؤسسة فقط من دون غيرها، أثار الكثير من التساؤلات والاعتراضات، خصوصاً أن قرار توسيع عضوية المجلس اقتصر على كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية . بعض الاعتراضات، خاصة داخل دول المجلس، رأت أن هذا القرار سيفاقم وسيعقد الأوضاع الاقتصادية خاصة ما يتعلق بسوق العمالة وزيادة معدلات البطالة في العمالة المواطنة، وبعضها رأى أن هذه الخطوة ستفتح على دول المجلس أبواباً لا يمكن إغلاقها من الأزمات السياسية والصراعات، لكن الاعتراضات الأهم جاءت من منظور التداعيات المحتملة على الأمن الإقليمي الخليجي وخرائط التحالفات والصراعات الإقليمية .

قراءة هذا القرار من هذا المنظور اعتبرها البعض ldquo;قفزة خليجية في الفراغrdquo;، لأنها لا يمكن أن تؤدي إلى أي أمن في الخليج، ولكنها ستفاقم من مخاطر الأمن الإقليمي الخليجي، وسوف تمتد حتماً بتداعياتها المحتملة إلى الأمن الوطني للعديد من دول المجلس، واعتبرها البعض الآخر بمنزلة حلف إقليمي جديد، من دون جدوى، لأن ضم الأردن والمغرب لن يغير جذرياً في توازن القوى الشديد الاختلال لمصلحة إيران مقارنة بدول المجلس الست التي لم تستطع، حتى الآن، ورغم مرور أكثر من 30 سنة على تأسيس المجلس من ldquo;إقامة منظومة أمن جماعي مشتركrdquo;، باستثناء بعض أشكال التنسيق العسكري المحدود بين هذه الدول .

ربما لا يكون هذا كله قد ورد في مخيلة من دفعوا بهذا الخيار بضم الأردن والمغرب إلى عضوية مجلس التعاون، لكن ما حدث هو أن إصرار هذا القرار قد فرض مجدداً البحث في الأمن الإقليمي الخليجي، وأثار الكثير من التساؤلات التي كان من أبرزها سؤال طرح في ندوة نظمها ldquo;مركز الخليج للدراسات الاستراتيجيةrdquo; بالقاهرة يوم الأربعاء الفائت (18 مايو/ أيار الجاري) عن ldquo;دور الأمين العام الجديد لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في هذه المرحلة من العمل الخليجي المشتركrdquo;، هذا السؤال كان: لماذا يلجأ القادة العرب إلى الأخذ بالبديل الأضعف؟ فإذا كانت القضية هي أمن الخليج وتأسيس منظومة أمن خليجية قوية لمواجهة الخطر الإيراني، أو الاستعداد لما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، أو إذا كانت القضية هي مواجهة خطر الخروج المصري من ldquo;محور الاعتدالrdquo;، أو البحث في منظومة علاقات عربية عربية جديدة، أو حتى إذا كان الهدف هو التصدي لرياح التغيير العربية الراهنة .

رغم ذلك، ربما تكون هنا فائدة وحيدة لقرار توسيع عضوية المجلس وضم الأردن والمغرب، وهي أنها فرضت أهمية وضرورة التعجيل بالبحث في منظومة الأمن الإقليمي الخليجي على ضوء المتغيرات الجديدة والمحتملة، وعلى ضوء الخبرات السابقة في هذا المجال الإيجابي منها والسلبي .

فخبرة 30 سنة من العمل الخليجي المشترك وبالذات في المجال العسكري والأمني وهدف تحقيق الأمن الإقليمي أكدت مجموعة من الحقائق المهمة:

* أولها: إن اختلال توازن القوى بين دول مجلس التعاون الخليجي منفردة وكل من إيران والعراق، وعمق المصالح الدولية في الخليج ldquo;النفط والغاز والموقع الاستراتيجيrdquo; أسباب مباشرة لتعقيد فرص تحقيق أمن إقليمي خليجي مستقر . فاختلال توازن القوى دفع إيران والعراق، في مراحل مختلفة إلى تهديد أمن الدول الست أعضاء المجلس، كما أنه يدفع هذه الدول إلى الاحتماء بأطراف دولية خارجية، ودخول هذه الأطراف يزيد من تعقيد الأمن الخليجي .

* ثانيها: إن الأمن في الخليج لن يتحقق من خلال التوازن العسكري فقط أو ما يعرف ب ldquo;الأمن الاستراتيجيrdquo; ولكن ldquo;الأمن التعاونيrdquo; هو الأمن الأفضل والبديل، وهذا الأمن التعاوني له شروطه، منها تحقيق قدر لابد منه في توازن القوة، وإبعاد الدور الأجنبي من معادلة الأمن الإقليمي، أو على الأقل تنظيم هذا الدور بتوافق مع كل الأطراف الإقليمية، ثم إعطاء أولوية وأهمية للأبعاد الثقافية والاقتصادية والسياسية داخل الدول وبين الدول الخليجية المشاركة في الخليج (دول مجلس التعاون الست + إيران + العراق + اليمن) . هذا يعني أن البداية الحقيقية هي نجاح مجلس التعاون بدوله الست في أن يتحول إلى كتلة مندمجة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، عندها يمكن أن نتحدث عن أربعة فواعل أو أطراف خليجية هي: المجلس وإيران والعراق واليمن التي يجمع بينها قدر لا بأس به من توازن القوة .

* ثالثها: إنه لا أمن في ظل اعتماد سياسة إقصائية لأي طرف من هذه الأطراف الخليجية، ولا أمن من دون ربطه مع بيئته الإقليمية المجاورة وخاصة الأمن العربي ضمن العلاقة مع النظام العربي وكل من تركيا وباكستان والهند، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الأطراف الدولية، واعتماد مبدأ ldquo;توازن المصالحrdquo; في إدارة العلاقات الإقليمية بدلاً من توازن القوى .