علي الظفيري

هل هدأت الأمور في البحرين؟ ليس بعد كما أظن، حتى وإن هُدم laquo;دوار اللؤلوةraquo; بالكامل واختفى الناس من الشوارع، الأمور لم تحسم ولن يحدث هذا في القريب العاجل على ما يبدو، من يتلمس بيده يدرك حرارة الجمر المشتعل تحت الرماد، المعالجة الأمنية للملف تكفل إيقاف الحركة وتجميد الأوضاع عند نقطة معينة، ما تفعله على وجه التحديد هو وضع الغطاء على قدر يغلي ورفع درجة الحرارة من تحته، ولا تحتاج الأمور بعد ذلك إلى عبقرية للتنبؤ بما سيحدث!.
لم تعد الأزمة في البحرين داخلية، وهذا ما يزيد من تعقيداتها، السعودية وإيران معنيتان بما يجري هناك، مما سيُترجَم انقساماً في كل بقعة في المنطقة، العراق وكافة دول مجلس التعاون الخليجي، سوريا ولبنان، ولاحظوا هنا أن إيران حاضرة في المشرق العربي بقوة عبر الوجود الشيعي بشكل رئيسي، حزب الله في لبنان والأحزاب الشيعية في العراق بعد غزوه وإسقاط النظام السابق، إضافة للحضور الشيعي السياسي في الكويت، وهو ما يمثل اليوم أعلى درجات التسييس المذهبي في المنطقة، فإن كنت شيعيا ستتخذ في الغالب مواقف محددة وإن خالفت مبدأك وقناعاتك، دعم النظام السوري علي سبيل المثال!، وسيقف السني مع القمع الأمني وضد مطالب المحتجين الشيعة في البحرين رغم دعمه للثورات العربية المختلفة ومطالباته الشبيهة تماما بمطالب هؤلاء، وهو ما يمكن تسميته بالخيار المذهبي الذي يعلو على الخيار السياسي للأفراد، بمعنى أنك قبل تأييد الفكرة والمطلب ستبحث في هوية صاحبها، وستقبل الفكرة ذاتها في مكان وترفضها في مكان آخر!.
اشتباك النواب الكويتيين في قاعة عبدالله السالم كان اشتباكا سياسيا بامتياز، يستطيع المرء أن يرى فيه وبوضوح صراع الخيارات السياسية التي اعتمدت المذهبية أداة رئيسية في تنافسها، السلفيون الكويتيون الذين يطالبون بإقالة رئيس الوزراء واعتماد آخر من عامة الشعب، ويصرون على الدستور وسيادة مبدأ المساواة والعدالة وخضوع الكل للقانون، يرفضون الوقوف مع من رفع هذه الشعارات في البحرين، واترك عنك حجة الانحراف بالمطالب فهذه حجة استخدمت من البداية وقبل انحراف المطالب إن كان هناك انحراف، أما النواب الشيعة في الكويت فحالهم أغرب وأعجب، فالانتقال من دعم مطالب المتظاهرين البحرينيين إلى دعم النظام السوري يحتاج لمعجزة، لكنها تتحقق مع السيد القلاف بكل سهولة!، هكذا ودون أدنى مراعاة للمصداقية والمبادئ والمواقف الثابتة!، لكن ليس هذا ما يحدث مع الجميع، نائب مثل الدكتور حسن جوهر يستطيع الإنسان أن يتنبأ بموقفه بغض النظر عن الفئة التي يرتبط بها اتخاذ هذا الموقف، وبأسف كبير يندر وجود هذا الصنف من السياسيين في المنطقة هذه الأيام.
يخوض الناس في نقاشين حول البحرين، نقاش التفاصيل ورواية الأحداث كيف بدأت وكيف تفاعلت مع بعضها البعض، من بدأ هنا ومن بدأ هناك، مدعما بعشرات الفيديوهات والصور والمقالات، ونقاش التحليل الاستراتيجي الذي يطرح تساؤلات حول سقوط النظام في البحرين وأبعاده على المنطقة، وولادة دول بأغلبية شيعية في شمال الجزيرة تلتحم مع العراق الجديد وتكون حليفة لإيران، وهناك فعلا ما يشير لحدود اجتماعية بقياس المذاهب والانتماءات الأولية للمجتمعات يدعم هذه التصورات كانت بعض مراكز الفكر الأميركية تطرحه بين الحين والآخر، لكن المسارين السابقين للنقاش لا يفيدان أبدا، عوضاً عن القول بعدم سلامتهما وصحتهما الكاملة، يتجاوز الناس النقاش في القضية الأصلية التي تتفرع منها كل هذه المشاكل، المسألة المذهبية في الخليج والعراق وبلاد الشام هي العارض لعلة أكبر وأعقد، مشكلتنا الرئيسية في بنية الدولة وعملية الإصلاح السياسي الجدي والتحول نحو الديمقراطية، والدول التي تحكمها الأقليات سيكون مفيدا لها أن تثير نقاشا دائما حول الهويات المتباينة بين المواطنين، النقاش حول المذاهب والأديان والمناطق يتم رعايته ودعمه باستمرار حفاظا على مشروعية الأقليات الحاكمة، لا أحد ينتبه لكون الحكم يمثل الأقلية في هذه المجتمعات، سواء كان من السنة أو من الشيعة أو من غيرهما، التقاطع مع مذهب الحاكم أو منطقته يحقق الغرض لدى الغالبية العظمى للوهلة الأولى، وفي المجالس المغلقة تكثر الشكوى وتتردد عبارة laquo;نحن أيضا مظلومونraquo;، يقول هذا السنة والشيعة والعلويون ووو!.
يمكن للنواب الأفاضل في الكويت أن يتصالحوا، الأخلاق والفطرة السليمة لدى الجميع ستعيد المياه لمجاريها، سنرى محمد هايف وحسين القلاف يتصالحان مرة أخرى ربما، لكن هذا لن يحل المشكلة، هناك ما يمكن تسميته بالمسألة الشيعية في المنطقة، نقاش طويل في حقوق وواجبات وانتماءات ومواقف ينتظرنا في بلداننا، البعض يحاول أن يجعل منه خلافا بين الشيعة والسنة وهذا غير صحيح على الإطلاق، لكن هذا العنوان سيعطل كثيرا من التقدم على صعيد الإصلاحات الكبرى، وهو عنوان براق لدى بعض الجماعات الدينية التي تكون عادة آخر الملتحقين بركب الديمقراطية، وأول المترجلين عنه، إن احتاجت الأنظمة الحاكمة قليلا من السلاح ترفعه في وجه مواطنيها!.
وعلينا أن نتذكر أمرا مهما، الإصلاح لا يسقط الأنظمة، بل يثبتها ويدعم من مشروعيتها.