صالح القلاب

استباقا لما سيجري في سبتمبر المقبل, حيث غدا في حكم المؤكد بعد ضمان أصوات 120 دولة أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في اجتماعها السنوي في كل عام، ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة على كل الأراضي التي احتلت في يونيو عام 1967، ومن ضمنها القدس الشرقية, بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قبيل وضع العصي في الدواليب, بعد أن أشبع المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية سباباً وشتائم, إلى الإعلان عما كان أعلنه مراراً كشروط مسبقة، ولوضع العصي في الدواليب، وإحباط هذه المحاولة الدولية، وهذه الشروط هي:

أولاً: بقاء السيطرة الإسرائيلية على الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، ثانياً: الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، وعاصمتها السيادية يجب أن تبقى القدس الموحدة، ثالثاً: مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يجب أن تُحل خارج الحدود الإسرائيلية، رابعاً: أي اتفاق يجب أن يلحظ وجوداً عسكرياً إسرائيلياً في وادي الأردن على المدى البعيد.

فماذا يعني هذا... ؟

إنه يعني أن نتنياهو لا يريد السلام، وأنه لا يزال متمسكاً بأفكار والده، الذي كان أحد تلامذة المتطرف الصهيوني laquo;جابوتنسكيraquo;، وهي الأفكار التي ضمنها كتابه الشهير laquo;مكان تحت الشمسraquo;.

وحقيقة إن ما قاله رئيس الوزراء موجه بالدرجة الأولى إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي كان قال, في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة العام الماضي, إنه يأمل أن تحضر الاجتماع المقبل, أي اجتماع هذا العام في سبتمبر المقبل, دولة فلسطينية مستقلة، وهو حسب التقديرات لا يزال ملتزماً بهذا الوعد حتى الآن.

إن بنيامين نتنياهو يعرف أن أي فلسطيني، حتى وإن كان عميلاً لجهاز الموساد الإسرائيلي، لا يمكن أن يوافق على هذه الشروط التعجيزية التي تعمَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي إعلانها عشية انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي من المفترض أن تعترف بدولة الشعب الفلسطيني المنشودة، إذْ ماذا يبقى للتفاوض إذا كانت الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ستبقى تحت سيطرة الإسرائيليين، وإذا كان الاعتراف المطلوب يجب أن يكون بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي (وعاصمتها السيادية القدس الموحدة)، وإذا كانت مشكلة اللاجئين يجب أن تُحل خارج الحدود الإسرائيلية، وإذا كان أي اتفاق يجب أن يلحظ وجوداً عسكرياً إسرائيلياً في وادي الأردن على المدى البعيد.

وهذا يدل على أن أقدام اليمين الإسرائيلي في القرن الحادي والعشرين، بينما رأسه لا يزال في القرن السابق، فرئيس وزراء إسرائيل لم يرَ بعد كل هذه التحولات الكونية التي طرأت مع بداية الألفية الثالثة، وأنه لم يفهم هذه المتغيرات التي تشهدها المنطقة، وأنه لم يدرك أن إسرائيل لن تبقى هي نفسها إسرائيل القرن العشرين، وأن العالم قرفه وقرف دولته، وأن مصالح الولايات المتحدة ستفرض عليها التخلي عن التزامها بالدولة الإسرائيلية، ظالمة ومظلومة، وأن العالم بات يشعر بذنب كبير تجاه الشعب الفلسطيني، الذي كان ضحية اللعبة الدولية في أربعينيات القرن الماضي، وقبل ذلك.

لقد باتت تتلاشى كل إفرازات معادلات النصف الأول من القرن العشرين، وهذا ما يجب أن يعرفه بنيامين نتنياهو، فدولة إسرائيل الغاشمة والقمعية، التي تحتل أرض شعب آخر، لم تعد مقبولة، لا من قبل أوروبا والولايات المتحدة، ولا من قبل العالم كله، ولهذا فإن على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يدرك أنه لا مناص من استحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن وضعية الدولة الإسرائيلية طفل مدلل يحق له ما لا يحق لغيره لم تعُد قائمة ولا مقبولة، وأن أصحاب الحق سيأخذونه طال الزمان أم قصر، وصاحب الحق هو الشعب الفلسطيني الذي لن ينام الثأر في صدره أكثر مما نام!