شريف عبدالغني

حينما شاهدت للمرة الأولى التحفة الإبداعية laquo;التقريرraquo; للفنان السوري دريد لحام، وجدتني مشدوها أمام حالة جديدة من الأعمال السينمائية لم يصل إليها معظم الفنانين العرب المعاصرين لـ laquo;لحامraquo; باستثناء أحمد زكي. انبهرت بهذا الرجل الذي يقدم فنا راقيا يحمل هموم وتطلعات المواطن العربي نحو الحرية وحقوق الإنسان. رحت أتابع أعماله بشغف فكان نفس الإعجاب بفيلم laquo;الحدودraquo;، وبعده قرأت الكثير عن مسرحياته السياسية. دخل دريد لحام عقلي وقلبي من أوسع أبوابه، لا أعرف أنه ضيف برنامج تلفزيوني إلا وتابعته، ولا ألمح حوارا معه في أي مطبوعة دون أن أقرأه. نفس هذه المكانة احتلها عندي النجم الكبير جمال سليمان، بل إنه الفنان الوحيد الذي كتبت عنه مقالا كاملا يعدد مناقبه ومآثره وثقافته الرفيعة laquo;طالع عدد العرب الجمعة 17 ديسمبر 2010raquo;. ومن إعجاب محبي سليمان بالمقال فقد أعادوا نشره في كثير من المواقع السورية، وحفل بعشرات التعليقات.
وبمقدار هذا الحب العظيم الذي حملته للنجمين الكبيرين، صدمت فيهما. لا أبالغ إذا قلت إنهما ذبحاني بسكين باردة مثلما ذبحا ملايين من محبيهما على امتداد الأمة. هل تساوي ملايين الدنيا بيع شعب كامل من أجل حاكم ترك المعركة الأصلية على الحدود واتجه للداخل لإبادة الأبرياء. لقد باع النجمان دماء شهداء بينهم نساء وأطفال بثمن بخس. فيا خيبتنا الثقيلة في دريد لحام وجمال سليمان!
الأول أكد في تصريحات تلفزيونية أن الجيش السوري لا يجب أن يحارب العدو الإسرائيلي الذي لم يزل يحتل هضبة الجولان، أو يقوم باستردادها من براثنه، وإنما يجب أن يحافظ على laquo;السلام الأهلي الداخليraquo; لا أكثر ولا أقل. لم أصدق أن يتلفظ فنان مثقف بحجمه أو حتى رجل عادي بهذا الكلام laquo;العبيطraquo;. استرحت لنفي دريد هذه التصريحات، ودعوته كل من يشكّك في أقواله إلى الاستماع للتسجيل الخاص بالحلقة التي أثارت جدلا. نفذت طلبه فكانت المفاجأة: laquo;عودة إلى مسألة الجيش. الناس يهاجموننا ويقولون ليذهب الجيش يحارب في إسرائيل، لا.. الجيش مهمته سلامة الوطن في الداخل وعلى الحدود، مهمته السلم الأهليraquo;. هذا ما قاله حرفيا بالرجوع إلى فيديو الحلقة على موقع laquo;يوتيوبraquo;. إذن بوضوح دريد لحام يبرر لنظام آل laquo;الأسدraquo; استخدام جيش البلاد في مهمة غير مهمته ومعركة تجلب العار لكل من يشارك فيها أو يصمت عليها: laquo;الاستئسادraquo; على الشعب و laquo;الاستنعامraquo; أمام الجيش الإسرائيلي الذي يحتل الجولان منذ 44 سنة!
أما الثاني -جمال سليمان- فأعلن أن laquo;هناك من اندس بين المتظاهرين لتنقلب المطالب المشروعة والمظاهرات السلمية إلى دعوات لانقسامات طائفية، وتدمير للممتلكات العامة والخاصة وممتلكات الدولة التي هي ممتلكات الشعب السوريraquo;. إنه يستخدم نفس عبارات النظام عن laquo;الفئة المندسةraquo; و laquo;شعارات الطائفيةraquo; و laquo;تدمير الممتلكاتraquo;.
ألم يسأل النجم الكبير نفسه: من الذي استخدم القتل لقمع مظاهرات سلمية يقودها شباب أعزل من كل شيء إلا الإيمان بحقه في استرداد حريته؟ ألم يشاهد الجنود السوريين وهم يقفون بأحذيتهم الثقيلة على صدور شباب في عمر الزهور؟ ألم تقع عيناه على دماء النساء والأطفال الذين لم يرحمهم بشار الأسد لقولهم مجرد كلمة laquo;لاraquo;؟ هل كانوا يحملون أسلحة والقناصة يصطادونهم من فوق المنازل؟ ثم من يرفع شعارات الطائفية ومكّن طائفة واحدة تقلصت بعد ذلك إلى عائلة ثم إلى نصف عائلة من حكم بلد حضاري عريق وشعب متحضر عظيم.. أليس هم آل laquo;الأسدraquo;؟!
دريد وسليمان ليسا وحدهما من باع الجماهير، لكن مكانتهما تجعل اللعنة تنصب عليهما وحدهما. لا تهمني سولاف فواخرجي التي قالت في بيان حمل اسمها: laquo;لنضع أيدينا بيد رئيس شاب مؤمن، هو من نادى بالإصلاح أولا وقبل أي أحدraquo;، فهي مجرد ممثلة لا تملك بضاعة سوى الجمال، وكلامها يساوي في أهميته عبارات الفنانة المصرية عفاف شعيب التي طالبت ثوار مصر بالعودة إلى منازلهم حتى تستطيع النزول للشارع لشراء laquo;بيتزاraquo; و laquo;كبابraquo;. الأمر نفسه ينطبق على زوج laquo;سولافraquo; الممثل والمخرج وائل رمضان الذي هاجم laquo;القلائل المندسةraquo; وطالب بشار الأسد وترجاه وتوسل إليه بصورة هيستيرية ألا ينهي العمل بقانون الطوارئ الذي تُحكم به البلاد منذ 42 عاماً! كل هذا لا يستحق الرد. أما ما يجلب الشفقة فهو تعليق أيمن زيدان على خطاب لبشار بأن laquo;اليوم هو يوم عرس وطنيraquo;، وكذلك قيادة مطرب سوري -يبدو من صوته وحركاته أنه دخل عالم الرجال من الأبواب الخلفية- مظاهرة في القاهرة تأييدا للأسد. كما لا يعنيني بالمناسبة موقف عادل إمام من ثورة مصر، فهو في النهاية لا يرقى لربع مستوى دريد وسليمان، فإن ثقافته سماعية ولم يقرأ حرفا في حياته خارج السيناريوهات المعروضة عليه.
لكن الموضوع مختلف مع نجمي سوريا الكبيرين، ففضلا عن ثقافتهما ودعوتهما الدائمة في كثير من أعمالهما للحرية، فإن لهما مواقف سابقة مشرفة. لنتذكر أن جمال سليمان مثلا استقال من متابعة عمله التطوعي كسفير للنوايا حسنة لصندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا احتجاجاً على موقف المنظمة الدولية من مجريات الأحداث في لبنان، وقال: laquo;إنها فشلت أخلاقياً وعملياً إزاء القضايا العربيةraquo;، وهو أيضا كان أول من طالب بإلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري التي تفرض laquo;حزب البعثraquo; حاكماً للدولة. لكن يبدو أن هذا الرأي كان ضمن هامش ضيق جدا أتاحه النظام لامتصاص الغضب الشعبي، مثلما غض الطرف عن تقديم دريد لحام وجمال سليمان وياسر العظمة أعمالا تحفل بنوع من النقد للأوضاع الداخلية. أما حينما حانت لحظة وضوح الخيط الأبيض من الأسود فقد ظهرت مواقف النجمين على حقيقتها. لست من السذاجة أن أطالب دريد وسليمان بإعلان الحرب على النظام، رغم أنه أمر مشروع جدا لكل من ينتمي لشعب مقهور، لكني كنت سأرضى بأقل القليل منهما.. صمت بالمعروف خير من قول يتبعه أذى.
لا أدري كلما سمعت اسمَيْ دريد لحام وجمال سليمان هذه الأيام، أجد أم كلثوم تحاصرني صائحة: laquo;كان صرحاً من خيال فهوىraquo;!!