فاروق جويدة

اختلفت ردود أفعال دول العالم تجاه ثورة rlm;25rlm; يناير في مصر ما بين الدول العربية والأوربية وأمريكا وإسرائيلrlm;..rlm; في الوقت الذي أبدت فيه الشعوب العربية الثورة بقوة منذ لحظاتها الأولي اجتاح الصمت معظم الحكام العرب ووقفوا من الثورة موقفا غريبا ما بين الشجب والتأييد.

في الأيام الأولي من الثورة كان واضحا أن الحكام العرب بلا استثناء تقريبا ضد حركة الشباب المصري ولم يعترف أحد بأن ما يحدث في مصر ثورة ولكنه عملية احتجاج ورفض سريعة سرعان ما تهدأ وتختفي أمام بطش السلطة وقوات الأمن.. وعندما سقط رأس النظام اجتاحت بعض الحكام العرب حالة من الذعر الشديد خاصة أن الشارع العربي في أكثر من دولة انطلق يحمل نفس شعارات الثورة المصرية.. كان الانقسام والاختلاف في رد الفعل تجاه الثورة أمرا واضحا إلا أنه كان يحمل سمات نفس الخلافات التي حكمت المشهد العربي طوال السنوات الماضية ما بين جبهة الاعتدال وجبهة الرفض في مسيرة القرار العربي..
كان فريق الاعتدال وعلي رأسه النظام المصري السابق يحدد قواعد اللعبة طبقا لحسابات وأجندات تحكمها العلاقة مع أمريكا وإسرائيل والحديث عن السلام القادم.. وكان فريق الاعتدال يري أن تنفيذ الأجندة الأمريكية في المنطقة هو الذي يحكم العلاقات بين أمريكا والعرب وإسرائيل من جانب وبقية الدول الأخري من جانب آخر.. وإذا كانت بعض الأنظمة العربية قد حققت بعض المكاسب من هذه السياسة إلا أنها خسرت الكثير..
لم تكن هذه الأجندة وليدة لحظة أو قرار ولكنها جسدت سياسة دول ومواقف حكام وربما كان الخلاف الأعنف والأشد منذ اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.. ثم حدث نفس الانقسام في الحرب العراقية الإيرانية بين إيران والعراق والتي مولتها دول الخليج بدعم أمريكي وقوات عربية و400 مليار دولار تحملتها الشعوب العربية مع مليوني قتيل من الجانب العراقي وحده..
وفي هذه الفترة اختلطت الأجندات العربية في بعضها ما بين جبهة الرفض وجبة الاعتدال.. حدث الانقسام مرة أخري عند احتلال الكويت وكانت هذه الكارثة هي أكبر شرخ في الكيان العربي.. وبعد ذلك ساءت الأحوال أكثر حتي وصلنا إلي احتلال أمريكا للعراق والانقسام الفلسطيني وانفصال السودان ومعارك دارفور وانقسامات لبنان وحالة التمزق والتشرذم التي شهدها العالم العربي..
كانت جبهة الاعتدال العربي بزعامة مصر هي الجواد الأقوي طوال السنوات الماضية وقد أدي ذلك إلي انسحاب مصر تدريجيا من عمقها العربي حيث وقعت فريسة الوصاية الأمريكية والضغط الصهيوني..
كان من الصعب علي جبهة الاعتدال أن يسقط النظام في مصر مع ثورة الشباب خاصة مع حالة الارتباك والفوضي التي أصابت رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي طوال أيام الثورة.. هناك جانب آخر يحكمه التاريخ وهو موقف النظم العربية التقليدية من ثورة يوليو وقضايا التحرر الوطني والخلاف بين هذه النظم والزعيم الراحل جمال عبد الناصر فمازال طيف الرجل يداعب أحلام هذه الأمة رغم رحيله منذ أكثر من أربعين عاما.. لا أحد في الحكام العرب وأصحاب القرار يريد أن يظهر ناصر جديد بما في ذلك أمريكا وإسرائيل..
علي الجانب الآخر كانت الشعوب العربية المتطلعة للحرية تنظر للثورة المصرية بإعجاب شديد وقد اتضح ذلك في ردود الأفعال في الشارع العربي وأجهزة الإعلام والصحافة والشاشات حيث احتشدت تلال من البشر في العواصم العربية تؤيد ثورة25 يناير..
كانت الشعوب العربية قد اشتاقت كثيرا لمصر الريادة والدور والقرار والحماية ولم يكن تراجع الدور المصري يلقي قبولا علي المستوي الشعبي.. كانت مصر قد فقدت الكثير من أدوراها سياسيا وثقافيا واجتماعيا وكانت الشعوب العربية تتوق إلي عودة مصر إلي عالمها العربي دورا وتأثيرا..
غاب دور مصر في لحظات حرجه في تاريخ المنطقة.. لقد غابت في احتلال العراق وغابت في انفصال جنوب السودان وغابت في الاعتداء الإسرائيلي علي غزة وغابت في دارفور وقبل هذا كله غاب الدور الثقافي المصري بكل ما حمله من جوانب التنوير والأصالة..
لاشك أن الشعوب العربية أيدت بحماس شديد ثورة شباب مصر وان تحفظت الأنظمة العربية بما في ذلك معسكرات الرفض.. وربما كان السبب في ذلك أن شرارة الثورة سرعان ما انتقلت إلي البحرين.. ثم اليمن.. واجتاحت ليبيا.. ثم امتدت إلي سوريا وكان من حق معظم النظم العربية ان تخاف من النيران التي اقتربت من حدودها وأصبحت تهدد هذه الأنظمة..
علي الجانب الآخر وقفت شعوب العالم مع ثورة مصر وطوال أيام الثورة كان ميدان التحرير ووقفة الشعب المصري وإصرارة علي الحياة الحرة الكريمة حديث العالم كله.. وقف الإعلام الغربي من الثورة المصرية موقفا رائعا ولكن الحكومات والأنظمة وأصحاب القرار وقفوا علي حذر في الأيام الأولي من الثورة ينتظرون نتيجة السباق.. فقد ظلت الإدارة الأمريكية مترددة في حسم موقفها فترة طويلة حتي اتضحت الصورة فأيدت الثورة ولعل هذا الموقف من الإدارة الأمريكية هو الذي جعل شباب الثورة يرفض لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عندما زارت ميدان التحرير بعد نجاح الثورة.. ورغم إعلان الرئيس أوباما تأييده للثورة وشبابها إلا أن الموقف الأمريكي مازال حتي الآن متأرجحا وربما كان السبب في ذلك هو ظهور التيار الديني في الشارع المصري بصورة غير مسبوقة وقد تأكد ذلك في حجم الدعم الاقتصادي الذي وعدت به الإدارة الأمريكية لمصر وهو ضئيل للغاية أمام ثورة اهتزت بها أركان المنطقة كلها..
ولاشك أن موقف الإدارة الأمريكية من أموال مصر الهاربة في بنوك أمريكا لحساب النظام السابق ورموزه مازالت تطرح تساؤلات كثيرة خاصة أن أمريكا أعلنت بعد ساعات من سقوط زين العابدين في تونس حجم ودائعه لديها والتحفظ عليها.. وحدث هذا أيضا مع أموال القذافي في ليبيا وأموال الأسد في سوريا ولكن الغريب أن ترفض الإدارة الأمريكية حتي الآن إعلان شيء عن ثروة عائلة الرئيس السابق ورموز نظامه في بنوك أمريكا..
لقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية في القاهرة أن هناك ودائع ضخمة بالبلايين للنظام السابق في بنوك أمريكا.. وحتي الآن مازالت الإدارة الأمريكية تخفي ما لديها من أموال..
في الجانب الآخر من الصورة يبدو الصمت الإسرائيلي شيئا مريبا خاصة أن إسرائيل كانت تعلم أن خسارتها مع النظام المصري لن تعوض رغم أن المجلس العسكري أعلن في اللحظات الأولي من تسلمه السلطة في مصر احترامه والتزامه بكل المعاهدات الدولية التي وقعتها مصر مع دول العالم بما في ذلك إسرائيل..
كان الدعم الاقتصادي لمصر الثورة محدودا للغاية وربما كان السبب في ذلك أن أصدقاءنا في واشنطن لا يريدون لمصر أن تغرق ولكنهم أيضا لا يريدون لها النجاة.. أما خطأ إسرائيل الأكبر فهي الاعتقاد بأنها ستجد الحماية في ظل أصدقاء ونسيت أن السلام الحقيقي هو الأمن والحماية للشعوب وليس للحكام..
يبدو أن الأشقاء في العالم العربي قرأوا الرسالة قراءة خاطئة لأن ثورة25 يناير ليست ثورة يوليو فالزمان تغير وظروف العالم اختلفت والمصريون قاموا بثورتهم بحثا عن حياة أفضل ووطن أكثر رخاء واستقرارا.. أن لكل مجتمع ظروفه وما حدث في مصر قد لا يتناسب مع ظروف مجتمعات أخري خاصة أن الجميع كان يعلم ما آلت إليه أحوال المصريين في ظل نظام فاسد استباح ثروات مصر ونهب خيراتها..
في جانب آخر من الصورة كان موقف الاتحاد الأوروبي وهو للأسف الشديد كان أقرب للموقف الأمريكي تأييد إعلامي واسع وتحفظ رسمي واضح.. حتي الآن مازال الحديث عن الدعم الاقتصادي الأوروبي لمصر يسير علي استحياء شديد ورغم عشرات الوفود التي جاءت وأعلنت تأييدها للثورة إلا أن هذه الحكومات لم تتخذ حتي الآن مواقف حقيقية في دعم الاقتصاد المصري..
ما هو المطلوب الآن حتي تؤكد هذه الدول جميعها شعوبا وحكومات دعمها لثورة الشعب المصري..
أولا: أن تدرك الحكومات العربية الشقيقة أن ثورة مصر لا تمثل تهديدا لأحد وأن من حق كل الشعوب ان تختار حياتها وقد اختار المصريون ومن واجب الجميع أن يقدر اختيار الشعب المصري.. لا أتصور أن تكون هناك فضائية عربية متخصصة طوال اليوم في دولة شقيقة مثل الكويت تهاجم الشعب المصري وتتهمه بعدم الوفاء لأنه يحاكم رئيسا أساء لشعبه..
أن مثل هذه المواقف يمثل اعتداء صارخا علي الشعب المصري.. وإذا كان الأشقاء في الكويت يذكرون لنا موقفا في حرب الخليج لتحرير الكويت فيجب أن يدركوا أن الذين حاربوا في أرض الكويت لتحريرها هم الآلاف من أبناء مصر وجيشها الباسل..
ثانيا: أن تلتزم الحكومات العربية بإعادة أي أموال توجد في أراضيها لحساب النظام السابق ورموزه لأن هذه الأموال الهاربة ملك للشعب المصري خاصة أن هناك أخبارا كثيرة تناثرت عن تحويلات مالية ضخمة تمت في الشهور الأخيرة وأثناء الثورة لعدد من البنوك في عواصم عربية وإذا كان بعض الحكام العرب حريصون علي علاقات إنسانية مع النظام السابق فيجب أن يكونوا أكثر حرصا علي أموال مصرالتي تسربت إليهم بدون وجه حق ولن يغفر الشعب المصري لمن أخفو هذه الجرائم وشاركوا فيها..
ثالثا: أن يدرك كل صاحب قرار في أي دولة أن الشعوب هي الأبقي والحكام إلي زوال وليس من الحكمة أن ترتبط علاقات الأشقاء بأشخاص حكموا واختارت شعوبهم أن تضع نهاية لهم خاصة إذا كانت فترات حكمهم قد اتسمت بالظلم والقهر والفساد..
رابعا: في هذه اللحظة التاريخية سوف يفرز الشعب المصري بدقه شديدة من وقفوا معه ومن تآمروا عليه أو تخلوا عنه.. أن مصر لن تطلب دعما من أحد وهي قادرة علي أن تتجاوز محنتها وظروفها الصعبة ولكن مثل هذه المواقف لا تنسي خاصا أن العالم كله يدرك حجم تضحيات مصر من أجل القضايا العربية والتاريخ شاهد علي ذلك..
خامسا: لقد تأخرت الإدارة الأمريكية كثيرا في دعم ثورة الشعب المصري حرصا علي علاقتها بالنظام السابق وقد جاء الوقت لتعيد أمريكا ترتيب أوراقها وسياساتها ومواقفها في المنطقة علي أساس من احترام الشعوب وتحقيق مصالحها.. لقد أثبتت سياسة دعم النظم الفاسدة فشلها وعلي أمريكا أن تختار موقعها مع الشعوب وليس مع الحكام المستبدين.. لقد خسرت كثيرا بعد سقوط الشاه في إيران ونرجوا ألا تخسر أكثر بعد سقوط النظام السابق في مصر وما يليه من نظم أخري أكثر فسادا.. أما إسرائيل فإن لها طريق واحد لا بديل غيره.. أن السلام يعني الأمن والحماية للجميع وشخص واحد لا يصنع سلاما وسط شعوب تجتاحها براكين من الغضب..