محمد الحمادي



هذا تساؤل يتمنى البعض أن يتحول إلى حقيقة، بحيث لا تظهر ديمقراطية جديدة في منطقة الخليج العربيhellip; والسؤال هو لماذا هذه الأمنية ما تزال باقية في القرن الواحد والعشرين... قرن الحوار والانفتاح والتكنولوجيا والفضائيات المفتوحة في قرن -يفترض فيه- أن كل الطرق فيه تؤدي إلى الديمقراطية؟

كلامي اليوم موجه لإخواني في الكويت من برلمانيين وسياسيين، -وقد يعجب البعض ولا يعجب الآخر لكن من المهم أن يصل إليهم- لا شك أنكم تعلمون أن في دول الخليج من هو مقتنع بفكرة الديمقراطية من مثقفين ونخبة وأصحاب قرار وحتى شريحة من الشعوب، ويعتقد هؤلاء أن في الديمقراطية بعض الخير، وكان يفترض بديمقراطية الكويت، وهي أولى الديمقراطيات العربية، وأعرقها أن تساعد على تبني هذه الدول للديمقراطية، لكن ما يحدث اليوم هو العكس؟ فهل يدرك ذلك أعضاء مجلس الأمة؟ قد لا يدركون وقد يدركون ويقولون هذه ديمقراطيتنا، ونحن معجبون بها.

وقد يقول البعض في الكويت quot;ما لنا وما لغيرناquot;، نحن سائرون في طريق الديمقراطية التي بدأناها وعلى الآخرين أن يتدبروا أمرهم... وهذه الفكرة والنظرة قد لا تكون دقيقة بالدرجة الكافية، خصوصاً إذا أصبحنا متفقين على أن شعوب الخليج مترابطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً وقوياً، وبالتالي فإن ما يحدث في الكويت يؤثر بشكل مباشر على ما يحدث في بقية دول الخليج.

ويدرك كل متابع أن قصة ديمقراطية الكويت تكمن في شيئين، الأول، برلمان معرقل للمسيرة، والآخر حكومة لا تقبل قواعد اللعبة، وعلى أساس ذلك يستمر الشد والجذب في أكثر الديمقراطيات العربية إثارة... وقد يكون ما يحدث في الكويت شيئاً جيداً ومفيداً وربما ممتعاً للبعض... لكنه بالنسبة لدول طامحة إلى الديمقراطية وشعوب مترددة في ولوجها، فإن ما يحدث يعتبر مقلقاً.

ما يحدث في الحياة السياسية بالكويت قد يؤدي إلى تقدم الحياة البرلمانية والنيابية والديمقراطية فيها - من وجهة نظر البعض- لكنها بلا شك في المقابل تؤدي إلى تأخر التجربة البرلمانية في دول الخليج الأخرى، وقد يؤدي اتساع الفارق بين ديمقراطية الكويت وممارساتها الحادة، وخطوات دول الخليج المتأنية والمتدرجة إلى تأخر أكثر في تحقق الديمقراطيات الخليجية.

المثل الشعبي يقول: quot;إن حشر جارك، حشرك قريبquot;... هذا ينطبق على كل شيء إلا الديمقراطية الخليجية، فقد جاءت الديمقراطية إلى الكويت منذ عقود، وهي تأبى أن تنتقل إلى دول الخليج، بل المفارقة الغريبة أنها أصبحت حجر عثرة أمام ديمقراطيات الخليج المرجوة، وهي المبرر الذي لا يساعد الحكومات والشعوب على الانتقال إليها.

بشكل عام المواطن في الإمارات يفكر ويريد الديمقراطية منذ زمن، وذلك من أجل برلمان وطني قوي دوره الرئيسي الرقابة الحقيقية على المؤسسات، وتقديم الاقتراحات والمشورة الصادقة للحكومة... برلمان يضم نخبة من أبناء الوطن لا هم لهم غير الوطن، بعيدين عن المصالح الشخصية والأفكار الفئوية، برلمان منتخب من أجل وطن أفضل وحياة أفضل للمواطنين، لا أحد يريد برلماناً يستعرض أعضاؤه قدراتهم القتالية ومهاراتهم الكلامية وإمكانياتهم المالية من أجل تعطيل البلد ومشاريعها في مختلف القطاعات ومن أجل السير عكس التيار.

من خلال مراقبة ردود أفعال الشارع الإماراتي خلال الأسبوعين الماضيين على معركة quot;العقل والبكوسquot; يوم 18 مايو الماضي، توقعت للحظة أن تمر الحادثة مرور الكرام فينتقدها البعض ثم يتم تجاوزها ونسيانها، لكن الملاحظ أن الموضوع ما يزال يشغل الناس، وعند الحديث عن الديمقراطية أو الانتخابات ينتقل الحديث مباشرة إلى التعطيل وتراجع التنمية وعن شغب في البرلمان... وهذا عكس الدور الحقيقي للبرلمان الذي يفترض فيه الدفع بعجلة التنمية.

وبعضهم كان متردداً في مسألة تطبيق الديمقراطية ويرى فيها شيئاً من الخير وأشياء سلبية، ولكن حتى هؤلاء خسرناهم مؤخراً بعد المعركة الأخيرة عندما تشاجر الرجال في قاعة البرلمان، والحقيقة أنها كانت صدمة حقيقية للجميع، فعندما نعجز عن الكلام المفيد، ولا نمتلك غير أيدينا للحوار، فلا يبدو أن هناك أي داعٍ لوجود البرلمان! فأساس الديمقراطية هو أن نعرف أن نتكلم ونعرف ماذا نقول ومتى نقول ما نريده، ومن ثم أن نحترم ما يقوله الآخر حتى وإنْ لم يعجبنا، لكن للأسف ما حدث في البرلمان الكويتي أن البعض quot;لا يثمن كلامهquot;، والآخر لا يعرف كيف يرد عليه، فتحدث المعركةhellip; والذي نعرفه أن الديمقراطية والعنف لا يجتمعان، فالديمقراطية حل متطور وخطوة متقدمة من أجل تفادي أي عنف سواء باللفظ أو باليدين أو حتى بالفكر، لكن ما حدث في مجلس الأمة يشير إلى منعطف جديد في الحياة السياسية في الكويت.

كلما تكلمنا عن الديمقراطية، نسمع رداً واحداً من رافضي الديمقراطية، وهو هل تريدوننا أن نصبح مثل الكويت؟ بلد فيها الخير والثروات وفيها رجال الأعمال وأصحاب العقول النيرة ولديها التاريخ، ورغم كل ذلك فالتنمية فيها والتطور مؤجلان، وكل شيء فيها معلق بسبب ماذا؟ بسبب الديمقراطية التي تريدونها وتنادون بها!.. هذا ما نسمعه كثيراً ويزيد البعض قائلًا ديمقراطية تعيد الدول إلى الوراء، ديمقراطية تثير المشاكل بين أبناء الشعب الواحد، ديمقراطية تخدم المصالح الشخصية والحزبية والطائفية، لا نريد هذه الديمقراطية، نحن بخير بدونها،... للأسف هذا هو الواقع، وهو ما يزعج كثيراً من المثقفين والمتحمسين للديمقراطية في دول الخليج.

أخيراً قد يرى البعض أن انتقاد التجربة الديمقراطية الكويتية يتخذ ذريعة لتحذير الشعوب من سلبيات الديمقراطية، وقد يكون هذا صحيحاً أو غير صحيح، لكن الواقع وما نؤكد عليه أن فئات من الشعب مترددة فعلاً تجاه الديمقراطية، والسبب هو ما يرونه في الكويت، ونؤكد أن أهل الكويت أعلم بشؤونهم، لكنهم يجب أن لا ينسوا أن شؤونهم الديمقراطية أصبحت تمس جيرانهم.